top of page

نتائج البحث

 

تم العثور على 151 عنصر لـ ""

  • التربية على المواطنة العالمية

    الدكتورة إبتسام علي محمد الكايد، وزارة التربية والتعليم، الأردن التربية على المواطنة العالمية ضرورة إنسانية في عالم متغير تلاشت بين دوله الحدود والمسافات وتداخلت بين البشر العلاقات والمصالح الى حدود غير مسبوقة، من هنا فإن التربية على المواطنة العالمية فرصة تاريخية لأنظمة التربية والتعليم لتزود طلبتها بفهم إيجابي وواقعي للنظام السياسي الذين يعيشون فيه، وفهم حقوق الأفراد وواجباتهم، وكذلك تعليم الطلبة القيم ومشاركتهم في القرارات السياسية التي تؤثر في مجرى حياتهم وفهم الطلبة للنظام التشريعي للقطر الذين يعيشون فيه، واحترام وتقدير القوانين التشريعية، وفهم التعاون الدولي بين المجتمعات المختلفة والنشاطات السياسية الدولية والإنتماء والإعتزاز والولاء للأمة العربية والإسلامية وعقيدتها وفكرها ومثلها والتحرر من التعصب والتمييز بجميع أشكاله الطائفية والمذهبية والعرقية، والإيمان بالمنهج العلمي كوسيلة لمعالجة قضايا الإنسان والمجتمع السياسية على المستوى الوطني والقومي والعالمي، وفهم أسس السياسة الجارية كالإنفتاح، والحياد الإيجابي، ودوائر العلاقات الخارجية، وفهم الطبقات الإجتماعية وكيفية تكوينها وعلاقتها وحفظ التوازن بينهما ووسائل تحقيق مرونتها ومعرفة وسائل التعاون بين الأمم والدوائر والمنظمات، وتنمية الاتجاه الصالح نحو الديمقراطية، وتكوين المهارات اللازمة لها، والوقوف على مفاهيمها الصحيحة، والقدرة على فهم القضايا المعاصرة سواء أكانت محلية أو دولية مع العناية بالأدلة المتوفرة وما يتعلق بهذه القضايا من أفكار وتفسير أهميتها. ويأتي ذلك من خلال تعليم المواطنة الذي يستند على تقديم برنامج يساعد الطلبة على أن يكونوا مواطنين مطلعين وعميقي التفكير يتحلون بالمسؤولية ومدركين لحقوقهم وواجباتهم وتشجيعهم على ممارستهم لدور إيجابي في مدرارسهم و مجتمعاتهم وفي العالم (بوزيان، 2014). وترتكز التربية على المواطنة العالمية على فكرة الهوية الإنسانية للمواطن الذي يعيش في وطن في ظل نسيج تربوي، ثقافي، إنساني، إجتماعي، وطني، وسياسي، حيث أنه يرسم هوية وطنية للإنسان المنتمي والمعتز بالناس الذي يشاركونه الارض كونها تراب أجداده على مر العصور وجماعة ينتمي إليها وكرامة يحافظ عليها وفخر يزهو به كمخلوق بشري إنساني متميز. حيث أن الله رفعه وميزه عن باقي المخلوقات، فتربية المواطن تربية وطنية تحتاج الى وعي وإدراك الانسان لذاته، أي معرفة نفسه وعند إدراك الانسان لنفسه ولما يدور حوله يتعرف على السلوك الأفضل ليصبح مواطنا" عالميا" صالحا" وعارفا" وفاهما"، وبالتالي يحقق المواطنة العالمية، كما تؤكد التربية من أجل المواطنة على حرية الفرد وحقوق المشاركة في ممارسة السلطة السياسية والحق في الإسهام بشكل كلي في التراث والمجتمع. وتعد المواطنة العالمية شكل من أشكال الإنتاج الثقافي وينبغي أن نفهم تشكيل المواطنة باعتبارها عملية أيديولوجية تحدد علاقاتنا بالآخرين وبالعالم في نظام معقد من التمثلات في حياة المواطن السياسية والثقافية والإجتماعية والتربوية والإنسانية (جرار، 2011). والتربية على المواطنة العالمية تتضمن التركيز على قيم المواطنة وإفراد مساحة كافية لها بحيث تؤدي الى الإلتزام بالقيم السياسية واحترام التنوع والتعدد في المجتمع والحقوق الإنسانية والمساهمة الإيجابية في الحياة العامة. وأن القانون والنظام ضروريان ليسود الأمن والإستقرار في المجتمع، ويأخذ النمو الثقافي مجراه، وكذلك أن عمل الحكومة هو للصالح العام والتعامل مع المواطنين على أساس العدل وتكافؤ الفرص والمساواة في الكرامة الإنسانية وأمام القانون أيضا"، وحتى لا تكون التربية خبطا" عشوائيا" يجب أن تنعكس أو تنتهي في اكتساب المتعلم للمهارات الأساسية اللازمة للمواطنة الناجحة ومن ذلك: مهارات التواصل، ومهارات التفكير المنطقي والإبداعي، ومهارات المشاركة المعرفية في الحياة العامة، ومن الضروري تدعيم الثقافة الوطنية للطلبة من أجل تنمية الروح الوطنية وتكوين جيل من الوطنين المعتزيين ببلدهم وأمتهم (عامر، 2012). وتعد التربية على المواطنة العالمية هي الدراسة الصريحة والمنتظمة للمفاهيم والمبادىء السياسية التي تمثل الأساس للمجتمع السياسي والنظام الدستوري، وتتضمن هذه التربية تنمية مهارات صنع القرار حول القضايا العامة والمشاركة في الشؤون العامة فهي عملية غرس مجموعة من القيم والمبادىء لدى التلاميذ لتساعدهم على أن يكونوا صالحين قادرين على المشاركة الفعالة في كافة القضايا والمشكلات. وتعد التربية على المواطنة هي ذلك الجانب من التربية الذي يشعر الفرد بموجبه صفة المواطنة ويحققها فيه وهي ايضا" تزويد الطالب بالمعلومات التي تشمل القيم والمبادىء والإتجاهات الحسنة وتربيته إنسانيا" ليصبح مواطنا" صالحا" يتجلى في سلوكه وتصرفاته بالأخلاق الطيبة ويملك من المعرفة القدر الذي يمكنه من تحمل مسؤولية خدمة دينه ووطنه ومجتمعه، ومن ذلك نجد أن التربية على العولمة تتضمن التنشئة السياسية اذ تشغل كلتاهما بأعداد المواطنين للمجتمع السياسي الذي سوف ينضمون لعضويته، والتربية على المواطنة هي أعداد للعيش في مجتمع ديمقراطي دستوري، ولذلك فهي تهتم بتزويد المواطنين بالمعارف والمفاهيم الضرورية للمشاركة في العملية السياسية من قبيل الحقوق والواجبات والمفاهيم والمبادىء الأساسية التي يتضمنها الدستور مثل نظام الحكم ومؤسساته وصلاحيات ومسؤوليات هذه المؤسسات وانفصال السلطات والنظام الحزبي البرلماني والعملية الإنتخابية (بوزيان، 2014). كما تتمثل تربية المواطنة العالمية في أنها تدعم وجود الدولة الحديثة والدستور وتنمي القيم الديمقراطية والمعارف المدنية وتنمي مهارات إتخاذ القرار والحوار واحترام الحقوق والواجبات وتطوير مهارات الإستقصاء والإتصال وتطوير مهارات المشاركة والقيام بأنشطة إيجابية ومسؤولية وتعزيز النمو الأخلاقي والروحي والثقافي ولعب دور إيجابي في المجتمع وفي العالم، لذلك فإن التربية على المواطنة أصبحت ضرورة حضارية لأزمة في بناء الديمقراطية فلم يعد ممكنا" الحديث عن تحولات ديمقراطية حقيقية في أي مجتمع ما لم يترافق ذلك بالحديث عن تربية ديمقراطية، وتأخذ التربية على المواطنة مستويات أربعة هي: التربية الأخلاقية، والتربية المدنية، والثقافة المدنية، والتربية السياسية، وبالتالي فإن كل جانب من هذه الجوانب الأربعة يمتلك غاياته وأهدافه المحددة ولكن هذه الجوانب الأربعة تلتئم في غاية واحدة هي تحقيق الحرية الداخلية للفرد أو تمكين الأنسان من تحقيق حريته الداخلية وهذا يتم بتعزيز القيم الإيجابية (السبيعي، 2016). إن التربية على المواطنة العالمية عملية صعبة تتطلب جهودا" وتضافر لعمل العديد من المؤسسات و الأطراف من أجل إنسان متفائل وواثق ومطمئن، ولعل الدور الذي يمكن أن تقوم به الاسرة غاية في الضرورة والأهمية من خلال قيامها بالبناء النفسي للطفل على أسس إنسانية ووطنية وعالمية، ذلك ان الأسرة هي البيئة التي يتلقى فيها النشىء بداياته التربوية وهي أول وسط اجتماعي يتفاعل معه الفرد ويكتسب منه قيمه وإتجاهاته وعاداته، فالأسرة تد النشئ بالروح الوطنية وتستطيع أن تغرس في نفوس ابنائها القيم الوطنية والانسانية العالمية بعيدا عن كل اشكال التمييز والفرقى والاختلاف والعنصرية وهذا يوجب تكامل بين دور الاسرة ومؤسسات اخرى ابرزها المدرسة والمسجد والكنيسة ومؤسسات الاعلام بانواعها (المدني، 2010). *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. المراجع - بوزيان، راضيه (2014)، التربية والمواطنة "الواقع والمشكلات"، ط1، عمان: مركز الكتاب الأكاديمي. - جرار، أماني (2011)، المواطنة العالمية، ط1، عمان:دار وائل للنشر والتوزيع. - السبيعي، نورة (2016)، المواطنة تعلم وتعليم، ط1، الكويت: آفاق النشر. - عامر، طارق عبد الروؤف (2012)، المواطنة والتربية الوطنية "اتجاهات عالمية وعربية"، ط1، القاهرة: مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع. - المدني، زياد (2010)، المواطنة، ط1، عمان: دائرة المكتبة الوطنية.

  • الفكر التربوي المعاصر والتحدي الرقمي

    الدكتورة ميسون شعيل، الأردن إننا نعيش اليوم عصر عنوانه التقنية والرقمية والاستخدام الواسع لوسائل التواصل والتفاعل الاجتماعي الذي يوجب اهتمام غير مسبوق بالفكر الانساني ليبقى الموجه لمسيرة التقدم في مجالات التقنية والعلوم التطبيقيه وهذا يستلزم اهتمام المؤسسات التربوية والاجتماعية بالفكر التربوي ليكون جزء من خطط وبرامج بناء الانسان. فالفكر التربوي جزء من الفكر الإنساني الذي تبلور في إطار تطور الفكر الإنساني الموجه نحو التربية على مر التاريخ قديما وحديثا، ويشكل المرآة التي تعكس حركة التطور للمجتمعات بظروفها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إضافة إلى أنه يؤثر في المجتمع ويتأثر به، فهو يغني المجتمع بما فيه من ظروف، وإشكالات، وإرهاصات، ليعدل سلباً أو إيجابياً في بنية ذلك المجتمع ومساراته واتجاهاته، ويتأثر بالمجتمع بوصفه جزءاً منه ووليداً عنه، فالعلاقة بينهما علاقة جدلية مترابطة ( العبد الله، 2011). ويعتبر الفكر التربوي من المواضيع ذات الأهمية القصوى في التربية، في أي عصر ومكان، ذلك أن الفكر التربوي أثبت في كل العصور أن التربية أكبر مشروع حضاري واجتماعي يعمل على إعداد الأفراد، ليكونوا رجالاً مؤهلين يستخدمون عقولهم ليصلوا إلى العلوم والمعارف، لينتقل بهم من كائنات بيولوجية إلى شخصيات اجتماعية (الخزاعلة والقواسمة، 2012)، ولأهميتها أيضاً فقد سعت الدول المتقدمة منها والنامية إلى إيجاد النظم التربوية فيها لتعكس الأفكار التربوية، ولتحقيق الأهداف المرجوة، والتي تسعى دائماً إلى تحقيقها على المستوى الفردي والجماعي، ذلك أن النظام التربوي يمثل مجموعة العناصر ترتبط بعلاقات متبادلة لتشكل الكل المتكامل الذي له مميزات، ويهدف إلى أغراض محددة، وهو أداة تساعد الإنسان على إكساب ثقافته وتعليمه، والمحافظة على تراثه، وعليه يمثل النظام التربوي مكانة رفيعة بين الأنظمة الاجتماعية الأخرى، من حيث: تنمية الإنسان وتطوير المجتمع، ومواكبة كافة التطورات، والتحديات، وحل المشاكل (طبش، 2007).فالفكر التربوي يتمثل بمجموعة المسلمات والأفكار التي تؤلف النظرية الواحدة أو النظريات المتقاربة، والتي بدورها تعد المرجعية والأساس لواضعي الاستراتيجيات والبرامج العملية في ميدان التعليم، وعلى هذا الأساس فهي جهود في الجانب النظري يتوقع أن يكون لها تأثير وفاعلية في الجانب العملي للتعليم، وهو وليد حركة المجتمع في بنيته الأساسية وإفرازها (غازي،2012). ويبرز دوره باعتباره الموجه للعملية التربوية برمتها، فهو يحلل مضامينها، ويفند واقعها، وينظم مسارها، ويصحح مفاهيمها، مع الأخذ بالاعتبار الواقع المجتمعي المتضمن عقيدة المجتمع وقدراته وإمكاناته وكفاياته وطوحاته وتطلعاته المستقبلية، ويعبر الفكر التربوي عن الروح المجتمعية المتفاعلة في كليتها إلى تحقيق أهداف كبرى، تنطلق من تطلعات وآمال وطموحات المجتمع معبرة عن الفكر الجماعي، والتي تنشأ عن بحث وتجربة وخبرة، فهو يستقطب اهتمام كل فرد في المجتمع، ومن ثم لا تصبح التربية منعزلة، وإنما تصبح عمل تفكير يومي، ونقد وتحليل، وتعديل مسار المواءمة بين الواقع والمثال (العاني، 2003). ويتميز الفكر التربوي بالإطار النظري لما يحتاجه المجتمع في بناء نظامه وبرامجه التربوي، ووضع أسسها وقواعدها، مما يعطي الإنسان أفضل الأساليب والوسائل، وبالتالي بلورة عقلية واعية في ظل الشخصية الإنسانية (الكيلاني،2015). ويتميز بإعطاء صاحبه مناعة فكرية ضد التأثير السلبي، ومقاومة الاستلاب السلبي، وكذلك يرفع سقف العلم التربوي، ويجعل صاحبه يدرك الاتجاهات الإيجابية في علم التربية، وأيضاً يصل المفكر التربوي لدرجة راقية فكرية، وذلك بإخضاعه كل شيء في الحياة لتخصصه، كما أن لدى المفكر التربوي حجة قوية تجعل الآخرين غالباً يقتنعون بأفكاره، فالمفكر التربوي لديه نظرة استباقية في مجاله (البواردي،2017). في المحصلة لا بد ان تتظافر جهود المؤسسات المعنية بالتربية والتنشئة لخلق جيل ينتج ويحمل فكر تربوي تقدمي نهضوي يوكب العصر وادواته ليكون الموجه للإنسان والمجتمع في مسيرة البناء والعطاء. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. المراجع والمصادر: البواردي، خالد بن عبد العزيز (2017). تأملات في التفكير التربوي، مجلة فكر، مركز العبيكان، (19)، 88-89. الخزاعلة، محمد سلمان والقواسمة، أحمد حسن (2012). تطور الفكر التربوي، الأردن: دار صفاء. طبش، وصفي صالح فالح (2007). الأسس الفكرية للنظام التربوي في الأردن ودرجة تطبيقها ومدى مواءمتها للفكر التربوي المعاصر، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة القصيم، إربد، الأردن. العاني، وجيهة ثابت (2003). الفكر التربوي المقارن، ط/10، عمان: دار عمان. العبد الله، لطوف (2011). تطور الفكر التربوي العربي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم نموذجا، الإسكندرية: المكتب الجامعي الحديث. غازي، علي عفيفي علي (2012). تاريخ تطور الفكر التربوي الإسلامي، مجلة البيان، 22(301). الكيلاني، ماجد عرسان (2015). معالم الفكر التربوي الإسلامي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البرموك، الأردن.

  • تطور جماعة الرفاق في المجتمعات العربية المعاصرة ودلالاتها التربوية: رؤية تحليلية

    الأستاذ الدكتور ماجد محمد الزيودي، كلية التربية – جامعة طيبة، المملكة العربية السعودية مع تطوّر وسائل التكنولوجيا والاتصالات المعاصرة، يلاحظ أنّ ملامح الحياة البشرية شهدت تغيرات جوهرية ملموسة، فعلى سبيل المثال، حلّت الرسائل الإلكترونية محل الرسائل الخطية، وزاحمت الدردشات الإلكترونية الجلسات والمجالس العائلية والاجتماعية، ولم يعد السفر شرطاً لرؤية الأصدقاء، أو البيع والشراء، أو الدراسة. وعلى مستوى المجتمعات العربية، فلقد توالت عليها التغيرات الاجتماعية والثقافية في العقود القليلة الماضية، لعل أبرزها ظهور ظاهرة العولمة، وما رافقها من ثورة معلوماتية، إذ أحدثت تغيراً في المواقف والاتجاهات والقيم لدى أفراد المجتمع العربي وبشكل سريع ومروع، حيث يتوقع كثير من الباحثين أن تتم في عمر الجيل الواحد تغيرات متتالية وعديدة. ويمكن القول أن عملية التنشئة الاجتماعية في المجتمعات العربية، بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، كالأسرة، والمدرسة، والمؤسسة الدينية، والإعلام، وجماعة الرفاق،،، كانت عملية ميسورة ومحددة الملامح والمقومات والإجراءات تتولاها هذه المؤسسات، وهي تُعدّ بمثابة الرحم الذي تتشكل فيه ملامح هوية الإنسان وقيمه واتجاهاته. إن الحديث عن الأدوار المتجددة والمتغيرة لمؤسسات التنشئة الاجتماعية، ومنها جماعة الرفاق، في ضوء ما يشهده العالم المعاصر من تغيرات في مختلف مجالات الحياة، ولا سيما في ظل العولمة والمعلوماتية، هو أمر في غاية الأهمية؛ لتتبع وفهم التغيرات التي طرأت على الطبيعة التربوية لهذه المؤسسات في المجتمعات العربية المعاصرة، وآلية التعامل معها. ما من شك في أن استعراض وبحث الأدوار المتجددة للمؤسسات التي تسهم في عملية تنشئة الشباب وتربيتهم، يكشف بوضوح ديناميات عملها، وأهدافها المتغيرة بتغير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مجتمع ما، وهي ضرورية كذلك لفهم مرحلة الشباب، وما طرأ عليها من تغيرات معاصرة نتجت عن التغير البنائي الواسع النطاق الذي يشهده مجتمعنا الانساني المعاصر. وفي ضوء هذه الحقيقة يمكن إلقاء الضوء على إحدى هذه المؤسسات التي تسهم في إكساب الشباب لأدوارهم الاجتماعية والتربوية، وتسهم في تنشئتهم الأخلاقية والقيمية، وهي جماعة الرفاق، أو جماعات الصداقة كما يسميها البعض. وعند تأمل طبيعة جماعة الرفاق في المجتمعات العربية خلال فترة ما قبل التسعينات من القرن الماضي، وطبيعتها في وقتنا الحالي، حيث التغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة، يلاحظ أن ثمة تغيرات حصلت على طبيعة هذه الجماعة شكلاً ومضموناً، ولا سيما في ظل توسع خدمات شبكة الإنترنت، وتكنولوجيا الهواتف المحمولة اللامتناهية في تطورها، لعبت دوراً كبيراً ومؤثراً في التغيير الحاصل على هذه الجماعات، حيث يتم عبر التكنولوجيا المتقدمة تبادل الأفكار والمعلومات بحرية تامة بعيداً عن عيون الرقابة الأسرية. وفي هذا السياق، تشير الكثير من الأدبيات الكلاسيكية العربية إلى أن جماعة الرفاق – كمؤسسة تنشئة - تشكل وسطًا تربوياً مؤثراً على الفرد في مراحل حياته المختلفة، إذ تبدأ في مرحلة الطفولة في نطاق الأسرة، ومع تقدمه في العمر تتسع علاقات الفرد الاجتماعية بانضمامه إلى جماعات رفاق تتنوع بإشكالها وأحجامها وخصائصها ومستوياتها الثقافية والاجتماعية، مع ملاحظة أن هذه الأدبيات لم تتناول الشكل الجديد لجماعة الرفاق، والتغيرات الكبيرة التي طرأت عليها سواء في هيكلها، وأشكالها، وطبيعتها، وأدوارها التربوية في التنشئة الاجتماعية، فضلاً عن العوامل التي أدت إلى هذا كله. وبناء على ما سبق، وفي سبيل مناقشة هذا الموضوع الهام، يمكن طرح العديد من التساؤلات البحثية الهامة على النحو الآتي: - هل يمكن اعتبار جماعات الصداقة (الرفاق) الإلكترونية امتداداً لجماعة الرفاق التقليدية؟ - ما أبرز التغيرات الدينامية التي طرأت على جماعة الرفاق كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية في المجتمع العربي المعاصر؟ - ما العوامل التي أدت إلى التغيرات الدينامية على جماعة الرفاق في المجتمعات العربية المعاصرة ودلالاتها التربوية؟ وفي سياق الإجابة عن التساؤل الأول، وبالنظر إلى خصائص جماعه الرفاق التقليدية ووظائفها، المتمثلة في (الضبط الاجتماعي، والاستقلالية بعيداً عن سلطة الكبار، والمشاركة الوجدانية في الميول والاتجاهات، وإبراز ذواتهم واتجاهاتهم الاجتماعية والنفسية، وإكساب المهارات الاجتماعية والقيم....الخ) يمكن الاشارة إلى مدى انطباق ما سبق، إلى حد كبير، على جماعات الرفاق الالكترونية، ومنها: 1. جماعة الصداقة الإلكترونية لديها ضبطاً اجتماعياً لأعضائها، وتطبيقاً لمبادئ الثواب والعقاب داخل مجموعات الصداقة في الشبكات الاجتماعية, إذ يتم استبعاد بعض الأعضاء إذا ما خرجوا عن القواعد المتعارف عليها (غالباً ما تكون دينية، اجتماعية، سياسية،....الخ)، وفي بعض الأحيان يتم الرد على من يخالف هذه الضوابط بقسوة من خلال التعبير الكتابي، أو عبر الصور التعبيرية التي تعبر عن الرفض، أو الاستهجان, وكذلك يتم الثواب بعبارات وإشعارات تعبر عن ذلك أحياناً. 2. وفيما يتعلق بالمشاركة الوجدانية, فيمكن القول أن هذه الصداقات تبنى أساسا على اتجاهات وميول ومشاعر وهوايات معينة، وإن أخذت شكلاً مرئياً مختلفاً عن السابق. 3. وفي جانب توسيع آفاق أعضاءها وإنماء خبراتهم واهتماماتهم، فهي تحقق هذه الميزة وبقوة بحكم الدعم المعلوماتي على الشبكة، وبسبب توسع الآفاق الاجتماعية، ونماء الخبرات للفرد المعاصر عما كان عليه سابقاً، فكم المعلومات والأخبار المتاح للجميع دون استثناء هائل جداً يتم تبادله على مدار الساعة. 4.بالنظر الى القوة والنفوذ وتأكيد الذات, فهي ميزة تتوافر فيها وبقوة, حيث إن الصداقة عبر شبكات التواصل الاجتماعي تمنح الأفراد المشاركين الثقة بالنفس، والقوة وتأكيد الذات. 5. أما فيما يتعلق بإسهام جماعة الرفاق التقليدية بتعليم الأفراد القيم والمعايير وتكوين الاتجاهات, فهذا الأمر، وإن اختلف نوعا ما عن جماعة الرفاق التقليدية، فيبدو توافره أيضا بهذه الجماعة. لكن يمكن القول أن القيم والمعايير والاتجاهات الاجتماعية في الماضي، والتي كانت تحكم جماعة الرفاق التقليدية، تغيرت الى حد ما، بحكم التغيرات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها المجتمعات العربية - مع استمرار بعضها لدى الافراد المحافظين - فما كان يعتبر عيباً، أو منتقداً في الماضي، أصبح شيئا عاديا في ضوء مقاييس شباب اليوم. 6. بالنسبة لميزة الاستقلالية والاعتماد على الذات بعيدا عن الأسرة التي توفرها جماعة الرفاق لأعضائها، فهي ميزة أيضا تؤكدها وبقوة جماعات الصداقة الإلكترونية حيث يمكن للفرد أن يكتب ويعبر عما يشاء، ويشارك بما يشاء بعيداً عن تدخلات الوالدين، أو الأسرة في داخل البيت، أو خارجه. مما سبق، يتضح صحة فرضية اعتبار جماعات الصداقة (وهي ما سماها الباحث جماعة الرفاق الإلكترونية) على شبكات التواصل الاجتماعي امتداداً لجماعة الرفاق التقليدية، (وليست بديلاً لها)، فهي أخذت شكلاً جديداً بعد تغير البيئة المحيطة بهذه الجماعة، واعتماد الأفراد على التكنولوجيا في الاتصال والتواصل بشكل أكثر اتساعاً من الاتصال الحقيقي. وفي معرض الإجابة عن التساؤل الثاني، والمتعلق بأبرز التغيرات الدينامية التي طرأت على جماعة الرفاق كمؤسسة للتنشئة الاجتماعية في المجتمع العربي المعاصر، فيمكن بيان ملامح هذه التغيرات وفق عناصرها الأساسية، التي طرأت على جماعة الرفاق، والتي يعتقد أنها تنساق على عموم المجتمعات العربية، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت الزمني البسيط فيما بينها في اللحاق بركب تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومنها أن السياقات المكانية لنشاط جماعات الرفاق، فقد كانت في الماضي تتم في إطار جغرافي محدد، وقد تحولت هذه السياقات المكانية لنشاطات جماعات الرفاق من السياق المكاني المحدد (المحلي) إلى السياق العالمي، أو (سياق اللامكان) فطالما أن أدوات التواصل والاتصال تحمل بالأيدي لتحل وترتحل مع أصحابها. وفيما يتعلق بالسياق الزماني فقد كانت المساحات الزمنية المتاحة للقاء جماعات الرفاق قديماً تتم في إطار وقت الدوام المدرسي، ومن ثم تستكمل في فترة ما بعد الظهر إلى المساء في إطار الحي، وقد تلاشت الحدود الزمنية الحاكمة للقاء وتفاعلات جماعات الرفاق المعاصرة، وتحول السياق الزمني من المحدد زمنياً إلى سياق مفتوح زمنياً، أو (سياق اللازمان). كما تغيرت طبيعة الاتصالات البنيوية والتوسع العلائقي بين أعضاء جماعة الرفاق، حيث يلاحظ توسع أنماط الاتصال الجنسوي بين أعضاء هذه الجماعات حيث توسعت دائرة العلاقات في إطار جماعة الرفاق الإلكترونية، حيث أصبحت مشتركة بين الجنسين، بعدما كانت مفصولة (جندرياً)، وبفضل تطور تكنولوجيا الاتصال أصبحت اللقاءات والتفاعلات بين أعضائها يتم بشكل غير حي ومباشر، مع إمكانية تبادل الصور والفيديو، وفي الكثير من الحالات يمكن إجراء المحادثة المباشرة من خلال الاتصال بالصورة والصوت من خلال بعض التطبيقات الالكترونية المجانية، والتي تتم في الغالب بعيداً عن رقابة الأهل. وبالنظر إلى التوافق العمري بين أعضاء الجماعة يلاحظ التحول من شرط التوافق العمري في عضوية هذه الجماعات، فأصبحت تضم رفاق من فئات عمرية متفاوتة إلى حد كبير، وفي الغالب فإن مسألة العمر لا يتم الاعلان عنها، أو الاعتراف بها بشكل صريح ومعلن، فباستطاعة أي شخص أن يكتب ما يشاء عن عمره، ولذلك قد يصدف أن بعض الأطفال يدخل في مثل هذه المجموعات، وبأسماء مستعارة أحياناً، على اعتبار أنه طالب في الثانوية، أو الجامعة....الخ. كما تشير بعض الأدبيات التي تناولت جماعة الرفاق طبيعة الموضوعات المتبادلة بين جماعات الرفاق التقليدية (الكلاسيكية) كانت تنحصر إلى حد كبير وفق الطبيعة الجندرية لأعضاء الجماعة. فالموضوعات المتبادلة ضمن جماعات الرفاق الذكورية تتناول موضوعات محددة، وفي جانب جماعات الرفاق الأنثوية فهي تدور ضمن سياقات مختلفة غالباً ما تتعلق باهتماماتهن، ومن الصعب التكهن حاليا بطبيعة الموضوعات المتبادلة بين أعضاء هذه الجماعات الآن من الجنسين، والتي قد تشمل موضوعات في عالم الفن والموسيقى، والرياضة، والجنس، والترفيه، والسياسة، والدين، والأزياء، وأدوات الترفيه التكنولوجية وموديلاتها...الخ. وبالنظر إلى السلطة الرقابية فقد تحولت السلطة الرقابية الوالدية على جماعة الرفاق في المجتمعات العربية من رقابة عينية حسية صارمة من حيث زمن اللقاء، ومكانة، وعضويته إلى رقابة الكترونية، أو لنقل حالة من (العجز الرقابي). ومن ضمن التغيرات والتطورات التي شهدتها هذه الجماعة، يلحظ انتماء الفرد إلى جماعات صداقة إلكترونية متعددة (Groups) بعدما كانت تقتصر في الغالب على جماعة واحدة، أو جماعتين منفصلتين، (رفاق المدرسة، أو الحي) وقد تصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد عن خمس جماعات صداقة إلكترونية، أو أكثر، فقد يشترك الفرد، على سبيل المثال، في جماعة صداقة تختص بالأقارب، أو رفاق الدراسة، أو رفاق الحي من الجيران، أو غيرها. كما يلاحظ كذلك تحول في الأطر الثقافية المرجعية الحاكمة لجماعة الرفاق الحديثة من الأطر المحلية إلى أطر عالمية، أو (معولمة). وبالنظر إلى نتيجة التساؤل الثالث المطروح، يلاحظ أن ثمة عوامل شكلت الدور الأكبر في التغيرات التي شهدتها مؤسسات التنشئة التقليدية في المجتمعات العربية، كثورة الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعولمة، وتراجع أدوار المؤسسات التربوية، والتغيرات في الأسرة العربية المعاصرة، والتي كان لها الدور الأبرز في التغيرات على جماعة الرفاق المعاصرة. إن ما سبق يستوجب إعادة النظر من قبل الباحثين التربويين المهتمين بأدوار مؤسسات التنشئة الاجتماعية المعنية بالتربية بطريقة جديدة تتواءم مع التغيرات الاجتماعية والثقافية الحاصلة في المجتمعات العربية المعاصرة. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة.

  • التعليم المدمج في ظل جائحة كورونا: ميزاته والتحديات التي تواجهه

    الدكتورة صفاء نواف بني حمدان، الأردن التعليم المُدمج أو التعليم الخليط يمثل نظام تعليمي يتمّ من خلاله الدمج بين التعليم وجهًا لوجه بتواجد المعلّم والمتعلّم في مكان واحد والتعليم الإلكتروني أيضًا عن بُعد وعبر الوسائل التعليمية الرقمية، ولذلك؛ تم إطلاق اسم التعليم المدمج أو التعليم المختلط على هذا النظام، ويُذكر أن هذه الطريقة قامت معظم الدول بتطبيقها في وقتنا الحالي؛ بسبب جائحة كورونا وما رافقها من تحديات تربوية وتعليمية في كافة المؤسسات التربوية. يمكن القول بأن هذا النوع من التعليم يتميز بالمرونة في الزمان والمكان؛ إذ يتيح التعلم المدمج فرصة لتجاوز حدودالزمان والمكان في العملية التعليمية والحصول على المعلومات من شبكة الإنترنت. كما أنه يُعزز من القدرة على التعلّم الفردي؛ من خلال تحفيز الطالب على البحث والاستكشاف بنفسه من أجل الحصول على المعرفة العلمية من خلال شبكة الإنترنت ومحركات البحث، وهو يوفر بيئة تفاعلية مستمرة من خلال الاتصال وجها لوجه؛ مما يزيد من التفاعل بين الطالب والمدرس، والطلاب وبعضهم البعض، والطلاب والمحتوى، كما يسهل عملية التواصل مع المتعلمين وتزودهم بالمادة التعليمية بصورة واضحة من خلال التطبيقات المختلفة. ويُساهم في القضاء على مشكلة السلبية في قاعات الدراسة؛ فيقدم الفرصة للمتعلمين لتوسيع وتدعيم أسلوب الفصل التقليدي من خلال الاستخدام الأكثر للشبكة، ويشجع المتعلمين على استخدام الإنترنت وعدم الاعتماد بصفة شاملة على مجرد الحضور في الفصل. لكن كغيره من أنواع التعليم يواجهه تحديات جسيمة، خاصة أن التركيز عليه بدأ في زمن جائحة كورنا، ومن أول التحديات هو ولي الأمر وعدم تقبله للتعليم الإلكتروني لأبنائه، حيث إنه متخوف وليست لديه الثقة في أبنائه لمسايرة هذا النوع من التعليم، وينظر إليه نظرة سلبية من جميع الجوانب، على الرغم من أن الطالب في الحلقة الأولى سريع التعلّم والفهم ويُحب التغيير ولديه الاستعداد لتلقي كل جديد وعنده دراية بالتعامل مع الأجهزة. كما أن معظم المدارس تفتقر إلى إمكانية توفر إنترنت قوي وسريع؛ لأن التعليم الإلكتروني يحتاج إلى خوادم خاصة وتقنية وأجهزة، أيضا نوعية المناهج غير الملائمة لاحتياجات وخصائص الطلبة في العصر الحالي وتسبب لهم الملل حتى لو لم نقدمها إلكترونيا. فضلاً عن أن بعض المعلمين يجدون صعوبة في استخدام التقنيات الحديثة لتقديم المحتوى المناسب، وقد لا يمتلكون القدرة على التعامل الجيد مع الطلبة من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وقد لا يكون هناك قدرة على ضبط الطلبة بصورة صحيحة لتصل المعلومة للجميع. ولذا يحتاجون إلى تدريب مكثف، وعليهم تقبل الواقع والتكيف مع التطور. وعدم قدرة جميع الطلبة في الوصول للتكنولوجيا إما من خلال عدم توفر الأجهزة الإلكترونية، أو حزم الإنترنت. شئنا أم أبينا.. فقد فرضت علينا جائحة كورونا العديد من التحديات وكان من أبرزها التعليم؛ لذلك هو نوع جديد من التعليم لا بدّ من استخدامه والتعامل معه. لذلك ينبغي التعرف إلى دراسته بصورة عميقة لتفادي المشكلات التي يمكن أن ترافقه لتحقيق الأهداف التربوية بصورة صحيحة. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة.

  • التربية الأخلاقية ضرورة اجتماعية

    الدكتورة إسراء عبدالله صالح محمد، الأردن منذ الأزل والانسان يقدر قيمة الأخلاق، بل إنه فطر عليها، وعرف قيمتها كونه انسان عاقل يحكم على الامور بعقلانية، ولا ينحني نحو الغرائز والشهوات. إن المتأمل لوضع الحياة البشرية منذ بدء الخليقة، وعلى مر العصور والأزمان، يجد أن للأخلاق دور كبير في التنظيمات البشرية، حتى وإن اختلفت من جماعة الى أخرى؛ كونها قيم نسبية تختلف باختلاف الحضارات، والبعد الثقافي لكل مجتمع. وقد أشار النجيحي (2008) إلى أن الحياة الاجتماعية تقوم على التعامل والسلوك مع الآخرين؛ مما اقتضى الأمر بوجود قواعد وأنماط تحدد السلوك الذي ترتضيه المجتمعات لأفرادها وفق ما تم التعارف عليه فيما بينها، وبما ترتكز عليه أفكارها ومعتقداتها، الأمر الذي اقتضى الى التمييز بين الحسن والسيء، والصالح والضار، وبناء عليه يتم الحكم على سلوك الانسان بالخير والشر. وبما أننا نعيش في عالم مليء بالصراعات، وتطغى عليه المادة المتأصلة بأسس البقاء، وحيث أن الكثير من المجتمعات الغربية تبنت مفهوم المنفعة الشخصية وجعلت اللذة الفردية هي الموجه الأساسي لسلوك الفرد، لذلك غلبت القيم المادية على العلاقات الفردية، وسادت القيم الاستهلاكية، وشاعت بعض الأزمات كالعزلة الاجتماعية، وحلت الفردية مكان الجماعية (عرسان، 2001)، وفي ظل الانفتاح الكبير الذي تشهده المجتمعات الحديثة؛ بسبب تطور التكنولوجيا ووسائل الاتصال والانترنت والثورة المعلوماتية، والذي تخطى حواجز الزمان والمكان، أصبح العالم كقرية صغيرة، وبات من اليسير لنا الانفتاح على المجتمعات الأخرى، مما جعل المفرزات الثقافية الغربية تتدفق الى المجتمعات العربية والاسلامية بغزارة، وقد طالت آثارها ثقافات الشعوب، وأثرت في قيمها وعاداتها، والتي كانت الى عهد قريب عوالم يكتنفها المثل والعادات والتقاليد؛ فأصبحت تنتزع شيئا فشيئا، وأصبح بدوره يفتك بالنسيج الاجتماعي ويهدد كيانه، دون الادراك الواعي الى خطورة ما يواجهه أبناؤنا بالانغماس بهذه الثقافات وتقبلها بشكل ملحوظ، ونشهد ذلك من خلال عولمة العقول، مما أدت هذه الثورات الى انعكاسات اجتماعية وأسرية وأخلاقية؛ جعلهم يعيشون ضربا من التناقض بين ما ورثوه من عادات وتقاليد مجتمعهم، وما اعتادوا عليه من قيم أخلاقية وإسلامية، وبين ما يتم من ممارسات لا تمت للأخلاق بصلة، أضحت تمتزج مع ثقافتنا مكونة قالبا يسوده الكثير من الشوائب، وساهم في تفشي الانحلال الأخلاقي وممارسة سلوكات غير مرغوب بها، وأصبح مجتمعنا وقيمنا في خطر. ومن الملاحظ لوضع المجتمعات في الآونة الأخيرة، يرصد بوضوح مدى التغير في المعايير الأخلاقية، ويجد أن البعد عن قيمنا الدينية سهل الخروج عن قيمنا الأخلاقية؛ الأمر الذي أفرز الكثير من الأزمات الأخلاقية التي تعيشها المجتمعات المعاصرة، حيث وجدت نفسها أمام أمراض خطيرة من الأزمات الاخلاقية التي تهدد كيانها، وموروثاتها الثقافية، وأبرز ما نلحظه اليوم هو ازدياد الجرائم والانحرافات السلوكية بشتى أشكالها وصورها، والتي تعد ضربا من الشذوذ، والتي أصبح من الصعب على مجتمعاتنا التغاضي عنها، كحوادث القتل والسرقة والاغتصاب وغيرها .. فلابد إذن من السعي الى الاصلاح الأخلاقي لدى الافراد في كل مجتمع وجعلها من الأولويات، خاصة أن تقدم المجتمعات واستمراريتها مرتبط بعظم الأخلاق، فضلا عن أنها فريضة شرعية، وفطرة انسانية. وهذا ما أشار اليه ناصر(2006) أن بعض فلاسفة التربية كأمثال "كانت" يرى أن سلوك الانسان يجب أن يقوم على المباديء التجريبية أو العقلية، وينبغي أن لا تسيطر الشهوات على سلوكه وأفعاله، بل يجب أن يكون الانسان متوازنا في طرفي المعادلة الفكرية والعقلية وأن لا ينساق وراء غرائزه ليضمن النجاة ويعصم المجتمع من الهلاك والفتن. من هذا المنطلق على صانعي القرار الانتباه الى هذا الامر، وأخذه على محمل الجدية، والتخطيط الفعال لبلورة وتجسيد هذه القيم على أرض الواقع، وذلك بالتركيز على دور التنشئة الاجتماعية لتعزيز القيم، والسلوكات الأخلاقية لدى أفرادها، وخاصة دور الأسرة والمدرسة ودور العبادة. لذلك أجد أن الأسرة هي المسؤولة الاولى عن غرس القيم الاخلاقية لدى أبنائها، وإن غياب الأهل عن القيام بدورهم، وسوء المعاملة الوالدية كاستخدام العنف الجسدي، أو المعنوي مع الابناء، أو التهاون والتفريط في دلالهم؛ كل ذلك من شأنه أن يسبب مشكلات، وأزمات اجتماعية على المدى البعيد، ولا ننسى بعض الممارسات الخاطئة مثل ازدواجية القيم عند بعض الآباء ساهم في نشوء أزمات كثيرة؛ فعلى سبيل المثال نرى آباء ينهون أبناءهم عن بعض الممارسات وهم يأتون بمثلها وهو ما يسمى اليوم "بأزمة الأقنعة"، والذي يفسر تضارب مواقف الأبناء بحسب الموقف أو المصلحة. كما يقتضي التنويه على أن دور التربية لا يقل أهمية ؛ كونها وسيلة المجتمع في المحافظة على قيمها عبر الأجيال المتعاقبة، وهي المسؤولة عن اكتساب الفرد لقيمه الأساسية، والدعامة الأولى لبناء شخصيته، لذلك أجد أن دور الجامعات والمدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية لا يقتصرعلى الناحية الفكرية فقط، وإنما تتعدى الى الاهتمام بالأخلاق والفضيلة، وإحياء الضمير الانساني، واستشعار المسؤولية الفردية، وتفعيل الرقابة المستمرة على الكثير من الممارسات اللاأخلاقية، أو من خلال تسليط الضوء على العقوبات التي تلحق بكل من يتهاون أو يتجاوز قمنا الأخلاقية والدينية. وفي خضم الأحداث المتلاحقة التي يشهدها مجتمعنا الأردني في الآونة الأخيرة؛ تبرز بشكل ملحوظ ما آلت اليه من ظروف صعبة، وأعطي على سبيل المثال جائحة كورونا التي انعكست سلبا على الظروف التي تعيشها المجتمعات بشكل عام، ومجتمعنا بشكل خاص، ومع تزايد الأعداد المصابة أصبح هناك ظروفا استثنائية يعيشها مجتمعنا أثر على اقتصاد الوطن، فزادت من أعباء الفقر وزادت نسب البطالة، وخاصة للأسر ذوي الدخل المتدني؛ مما زين لبعض النفوس المريضة القيام ببعض الممارسات اللاخلاقية، والتي تعتبر من الممارسات الغريبة والشاذة على مجتمعنا، وذلك من خلال القيام بعمليات القتل والتسبب للآخرين بالعاهات المستديمة، أو أكل أموال الناس بغير حق؛ كفرض الأتاوات، وارغام الناس على دفع قوت يومهم للإبقاء على حياتهم، وعمليات النصب والاحتيال بشتى أشكالها، كما أن مبدأ احترام سيادة القانون بات أمرا مقلقا في الوقت الحاضر؛ لما نراه من تجاوزات عديدة تحصل وبشكل مستمر، وخاصة عندما نرى أن تلك التجاوزات تحدث على الصعيد الفردي والجماعي أيضا؛ كقيام البعض بإطلاق العيارات النارية في الاحتفالات وهي ظاهرة قديمة حديثة كما نعلم متجاوزين كل التحذيرات بعمق خطرها، أو قيام البعض الآخر بالتعدي على الآخرين بالسب والشتم والقذف دون أدنى رادع، وما نراه من ممارسات خاطئة في الطرق العامة من رمي للنفايات أو العبث بالمرافق العامة وتخريبها، أضف الى ذلك التعدي الواضح على الكوادر الطبية والتعليمية بالقول أو الفعل، وغيرها من الممارسات التي يصعب حصرها، ومع أن أجهزتنا الأمنية والقضائية تقوم بدورها على أكمل وجه في ملاحقة تلك الفئة، وإنزال العقوبة الرادعة بهم- وهذا برأي لا يعد كافيا- حيث يجب أن تتضافر جهود جميع المؤسسات المجتمعية، وعلى رأسها المؤسسات التعليمية بجميع كوادرها بالعمل الى إعادة المنظومة الأخلاقية الى دائرة التطبيق، والعمل على تقويم السلوكات والممارسات الخاطئة، وغرس القيم والفضائل في أبنائنا بشتى الأساليب والطرق التي ترتئيها، واستثمار التطور التكنولوجي والتقني في عرض قصص وندوات وحلقات تحث على التحلي بالاخلاق، والتنويع باستراتيجيات التدريس، واستخدام أساليب تربوية حديثة في إكساب الأفراد القيم الأخلاقية، ومستويات السلوك المرغوب فيه، وتضمين المناهج مواد تحث على الأخلاق والفضيلة؛ لتنمية الإدراك الخلقي لديهم، وإكسابهم مهارات التحليل الناقد للقيم، ومغزاها الاجتماعي في سلوك الأفراد. ولا ننسى دور العبادة فعليها يقع العبء في تذكير الأفراد بقيم ديننا الحنيف والالتزام بأوامر الله تعالى، والابتعاد عن نواهيه؛ حتى ننعم بالسعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة، فهي المسؤولة عن بناء هرم الإصلاح الأخلاقي في حياة الأفراد والمجتمعات ، وبدونها لأصبح المجتمع عاريا عن فضائلة وقيمه، ولنا في رسول الله إسوة حسنة، وصدق الله تعالى حينما وصف رسوله عليه أشرف الصلاة والسلام بقوله تعالى:"وإنك لعلى خلق عظيم" القلم: آية 4 وعليه نستطيع القول أن التربية الأخلاقية ضرورة اجتماعية ومجتمعية؛ لما لها من دور فعال في تقوية الروابط الاجتماعية بين الأفراد، وتعزيز التواصل بينهم على أسس من المحبة والمودة والبعد عن الأضغان والنزاعات، وكما يظهر دورها جليا في تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي والفكري للفرد، وتحقيق التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمع ككل. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. المراجع سورة القلم، الآية: 4 عرسان، ماجد (2001). فلسفة التربية الإسلامية، عمان: دار الوراق للنشر والتوزيع ناصر، ابراهيم (2006). التربية الأخلاقية، عمان: دار وائل للطباعة والنشر النجيحي، محمد(2008). في الفكر التربوي، بيروت: دار النهضة للنشر والتوزيع

  • المواطنة الرقمية: الطريق نحو المستقبل الرقمي

    الدكتورة خولة محمد الراشد، الأردن يرجع ارتفاع عدد المتصلين عالماً في العصر الرقمي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من (350) مليون إلى أكثر من مليارين وكذلك ارتفاع عدد مستخدمي الهاتف النقال من ( 750) مليون إلى أكثر من ( 6) مليارات إلى انتشار أدوات التكنولوجيا التي يرافقها زيادة هائلة في سرعتها وقدرتها الحسابية، وبحسب قانون (مور) فإن سرعة رقائق المعالجات الرقمية تتضاعف كل (18) شهر، حيث أفادت التوقعات بأنه بحلول ( 2025) سيتمكن جميع البشر من الاتصال بالإنترنت، وهذا يشير إلى أن معظم مضامين الخيال العلمي ستكون حقيقة وسنجد أنفسنا في عالمين منفصلين العالم المادي والعالم الافتراضي (شميدت وجاريد، (2013). وبسبب الاتصال الرقمي يواجه المجتمع البشري متغيرات تؤثر على العلاقات الاجتماعية وعلى سلوكيات الأفراد وأخلاقهم في التواصل، ومن أمثلة التغيرات الاجتماعية عجز الأسرة عن القيام بأدوارها كما كانت سابقاً، فأصبحت مؤسسات عدة تقوم بتلك الأدوار كالمدرسة والنادي والإعلام مما يستدعي التركيز على أوجه الاتصال السليم لما لها من تأثير في بناء الشخصية السوية، وعلى تفاعل الأفراد مع الآخرين مستخدمين أجهزة رقمية متطورة قد تؤدي إلى تأثر شخصياتهم بالتفاعلات المختلفة وهذا يستدعي أحياناً التوجيه والتدخل والانتقاء بين العلاقات والتفاعلات، ومن التغيرات الاجتماعية كذلك قيام بعض الأفراد ببعض السلوكيات الجديدة عليهم كالقيام بأدوار اقتصادية أو سياسية أو أدوار تتعلق بالتطور التقني كإنشاء أندية الإنترنت وتأسيس جماعات جديدة تتفاعل فيما بينها، وكذلك توجه الشباب نحو اكتساب نوعية جديدة تكنولوجية ثقافية أو مهنية، رغبة بالتجريب والتغيير وهذا ما يمهد لتكوين شخصية جديدة المكونات تتآلف مع مجتمع المعرفة (منقريوس، (2009(. وصاحب الاتصال الرقمي سلوكيات طارئة تستدعي التصدي لها منها، انتحال أسماء وهويات مزيفة من أجل التعبير عن الأفكار والآراء، شيوع روح التعصب وروح الاندفاع ونبذ أفكار الآخرين خاصة في ميادين الدين والسياسة، بالإضافة إلى انتشار أنواع من الألعاب التي تشجع على تقليص الاندماج الاجتماعي وزيادة انعزال الفرد عن مجتمعه الخاص مما يؤدي إلى التقصير في الواجبات اليومية الشخصية والاجتماعية، ويرافق السلوكيات الخاطئة لتكنولوجيا التواصل الحديثة العديد من الآثار السلبية ومنها: ظهور المشكلات النفسية والجسدية كالاكتئاب وسوء المزاج والقلق واضطراب النوم، الوسواس القهري وفقدان الهوية، إدمان مشاهدة مشاهد العنف والهوس، وعدم انتظام وجبات الطعام وإجهاد العين وآلام العضلات، ويُضاف إلى آثار الانغماس السلبي بالتكنولوجيا، المزج بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي والهروب من العالم الواقعي فتتولد لدى الفرد نزعة الهروب والوضع النفسي غير المستقر، بالإضافة إلى نمو العديد من اتجاهات الانحراف عند الشباب و أبرزها إدمان الإنترنت (بودهان، 2012). إن المواطنة الرقمية تنظم التفاعل الاجتماعي القائم على الاتصال الرقمي وتؤمن تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر وتوجه الأفراد نحو الاستخدام العقلاني للتكنولوجيا، وينعكس هذا إيجاباً على الاندماج الاجتماعي ويقلل من مظاهر الاتصال الرقمي السلبية. كما إن مصطلح المواطن الرقمي والذي أطلقه الأستاذ الجامعي (مارك برينسكي) يشير إلى الأفراد الذين نشئوا في عهد الرقمنة، حيث شكلت أجهزة الحاسوب والألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية أبرز مظاهره في ظل إتاحة للإنترنت في كل مكان من خلال الشبكات اللاسلكية كالواي ماكس Wi Max والواي فاي Wi Fi وخدمات الحوسبة السحابية Cloud Computing ، وأشارت أحدث معايير التكنولوجيا التابعة للجمعية العالمية للتكنولوجيا في التعليم (International society (for Technology in Education إلى أن المواطن الرقمي هو من يقوم بالاستخدام الواعي والمسؤول ويحافظ على اتجاه جيد نحو التعلم بالتكنولوجيا، إضافة إلى أنها بينت ثلاثة أن هناك أنواع للمواطنين الرقميين وهم: أولاً، المواطن الرقمي المسؤول، وهو الفرد الذي يتحول من استخدام المراسلات الورقية إلى الإيميل الإلكتروني، حيث يتواصل باحترام عبر منتديات النقاش الالكتروني، ويشارك في المعلومات حول العمل التطوعي من خلال أدوات الويب كالمدونات والشبكات الاجتماعية، ثانياً، المواطن الرقمي التشاركي، وهو الذي لديه القدرة على استخدام منتديات النقاش الإلكترونية أو الشبكات الاجتماعية للمشاركة بأعمال تعاونية كجمع التبرعات للجمعيات الخيرية، ثالثاً، المواطن الرقمي المُوجَه نحو العدالة، وهو المواطن الذي يستخدم أدوات التكنولوجيا كالمنتديات الإلكترونية للتفاعل حول قضايا اجتماعية ولدعم الحراك نحو العدالة الاجتماعية وذلك بالاشتراك في الشبكات الاجتماعية الملائمة ( Richard,2010) . وظهرت هناك بعض المحاولات لتنظيم استخدام التكنولوجيا الخاصة ببعض المنظمات والجمعيات، نذكر منها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي وضعت أدلة توضح فيها أخلاقيات المهنة، ومنها الوصايا العشر الصادرة عن معهد (الإيثيقيا الحاسوبية) في واشنطن والتي تنص بنودها على: عدم استخدام الحاسوب للإضرار بالآخرين، وعدم التدخل في الأعمال الحاسوبية للآخرين، وعدم التجسس على الآخرين وأعمالهم أو بياناتهم ،عدم استخدام الحاسوب للسرقة أو الإدلاء بشهادة زور،عدم نسخ برمجيات دون مراعاة حقوق الملكية، وفرضت أيضاً جمعية (Association of Computing Machinery) الأمريكية على منتسبيها مجموعة من القواعد الأخلاقية الواجب الالتزام بها وهي: الإسهام في إسعاد الآخرين والابتعاد عن الإضرار بهم، الصدق والإخلاص، النزاهة والابتعاد عن المحاباة والتمييز، احترام حقوق التأليف، والمحافظة على خصوصية الأفراد وأسرارهم، بالإضافة إلى أن هناك بعض الجمعيات التي طورت قواعد لأخلاقيات المهنة واحتوت فيما يخص التكنولوجيا العناصر الأربعة التالية: حرمة البيانات، الجوانب الخاصة، الآثار المعنوية والطبيعية للعمليات الحاسوبية، غايات التنظيم الخاصة بالحاسوب (طعيمة ، 2006). وتؤسس المواطنة الرقمية علاقة "مواطنية" جديدة تتيح للأفراد التعبير والتواصل وتتمحور حول جانبين رئيسين وهما التوجيه والحماية. أما التوجيه فهو للاستفادة من التكنولوجيا في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والجانب الآخر، وهو الحماية من أخطار التقنية التي أصبحت واقعاً يومياً يؤثر في جميع فئات المجتمع. ورداً على ظهور المواطنة الرقمية فقد ظهرت ثلاثة تيارات عدة للتعامل معها وهي، أولاً: تيار الانفتاح، ويدعو إلى استخدام التقنية بالشكل الواسع دون حدود وإلى الاستفادة الكاملة من الثورة التكنولوجية بلا رقيب ولا حسيب، على اعتبار أنها من بنود حقوق الإنسان الواجب مراعاتها. ثانياً، تيار الانغلاق، وهو التيار المتشائم من دخول التكنولوجيا فيحذر من الاستخدام غير المشروط لأدوات وقنوات التكنولوجيا، فيحذر من الجانب المظلم للتقنية، والذي يهدد القيم ويتحدى مبادئ التنشئة الاجتماعية. ثالثاً، تيار الوسط ويدعو لاستخدام التكنولوجيا بأدواتها ووسائلها بشكل ذكي عن طريق اتباع قواعد وقائية وتحفيزية تدعو للاستفادة وتحذر من المخاطر(الكوت، 2015). وتشير المواطنة الرقمية إلى الانتماء للمجتمع الرقمي وإلى التوازن بين مجموعة من الحقوق والواجبات وتفعيلها، وعلى الرغم من تنوع الأدبيات التي أشارت إلى مكونات المواطنة الرقمية إلا أن معظمها قد اتفق على العناصر الآتية: السلوك الرقمي: وهو أن يُظهر المواطنين الرقميين قواعد سلوك مقبولة فيلاحظون قواعد السلوك المألوفة والتوقعات الخاصة بالعالم الافتراضي والتي يكون معظمها غير مكتوب، فالمواطنون الرقميون يتواصلون ويتفاعلون بتهذيب لدرجة تقديم أسباب للآخرين عندما يعارضون فكرة ما عبر الإنترنت، وكذلك المواطنون الرقميون لا يشجعون ولا يدعمون الخلافات عند المواجهة، إضافة إلى أنهم يلتزمون بعدم ارتكاب محاذير استخدام الهاتف ( Hollandsworth etal.,2011). التجارة الرقمية: وتعني أن يُدرك المستهلكون العمليات الصحيحة للبيع والشراء عبر الإنترنت، فربما يكون الفرد فريسة سهلة للمتاجرة وعمليات الدفع غير المرخصة، ( Mossberger et al.,2012). فعند الشراء إلكترونياً يقوم المستهلكين والمهتمين بحماية أنفسهم بحيث يدفعون مراعين العملة المستخدمة والسعر الكلي للبضائع والخدمات المدفوع مقابلها، مع الانتباه للاسم والعنوان والبريد الإلكتروني ورقم الهاتف الخاص بالبائع، حيث تمنع هذه الإجراءات انتحال الشخصية والخداعات الإلكترونية (Ribble,2011). المسؤولية الرقمية: وتعني أن يتحمل المستخدمين للتكنولوجيا الرقمية مسؤولية أعمالهم الإلكترونية، فهم يعرفون ما هو الصحيح وما هو الخطأ، وكذلك التصرفات الملائمة وغير الملائمة عند المشاركة بأنشطة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى وعي المستخدمين بالتبعات القانونية المترتبة عند انتهاك الأنظمة والقوانين (Oxley,2010). السلامة والصحة: وتشير إلى عناية مستخدمو التكنولوجيا بسلامتهم الجسدية عند استخدام الأدوات الرقمية، فمثلا عند استخدام جهاز الحاسوب يستخدمون مقعداً قابلاً للتعديل للتأكد من أن عيونهم بوضعية متوازية، ويحافظون على مسافة مناسبة بينهم وبين شاشة الحاسوب، فهذه السلوكيات المريحة تقلل مخاطر إجهاد العين من الوضعيات السيئة، والألم، والتخدر، وفقدان الإحساس والاضطرابات العصبية الناتجة عن استخدام الحاسوب ( Ohler,2011). الأمن والحماية الذاتية: وتدعو إلى أن يكون المستخدمون على علم بالإجراءات الاحتياطية لحماية أنفسهم، لذا يقوم هؤلاء المستخدمين بتثبيت وتحديث برمجيات الحماية ضد الفيروسات. إن هذه الإجراءات مهمة لحماية البيانات الرقمية من السرقة أو التخريب وبخاصة البيانات السرية والحساسة التي تؤثر على راحة الأشخاص وسلامتهم ) Ribble & Bailey,2005). التواصل الرقمي: وهو التبادل الرقمي للمعلومات بين المرسل والمستقبل في أي زمان ومكان. حيث أصبحت هناك صوراً وأشكالاً متنوعة للتواصل، وتقسم طرق التواصل إلى نوعين، الاتصال المتزامن: كإرسال الرسائل النصية والدردشات ويتضمن ردود فورية. والاتصال غير المتزامن، ويشمل استقبال المعلومات كالنصوص والأصوات والصور ومقاطع الأفلام. محو الأمية الرقمية: وهي عملية تعليم وتدريس التكنولوجيا، فيجب أن يكون هناك تركيز على ما هي التكنولوجيا التي يتم تعليمها للأفراد وعلى كيفية استخدامها، فقد يكون هناك أموراً تكنولوجية حديثة في بيئة العمل لم يتم تناولها مسبقاً ومنها مؤتمرات الفيديو،إن المواطنة الرقمية تطالب بأن يكون المتعلم على وعي واطلاع بمستجدات التكنولوجيا أولاً بأول وأن يعرف طريقة استخدامها. الوصول الرقمي: وهو الوصول والمشاركة الإلكترونية الكاملة والمتساوية في المجتمع، حيث يعلم مستخدمو التكنولوجيا أنه ليس لدى الجميع فرصاً متساوية للوصول للتكنولوجيا. ومن الجدير بالذكر، أن من أهم ما تدعو إليه المواطنة الرقمية، العمل باتجاه الحقوق المتساوية ودعم الوصول الإلكتروني للجميع. القانون الرقمي: ويدعو إلى أن يقوم المستخدم للتكنولوجيا باحترام قوانين المجتمع الرقمي وعدم تجاوزها، بالإضافة إلى أن يكون على وعي بأن هناك أعمالاً يعاقب عليها القانون ومنها: السرقة وانتحال الشخصية والتسبب بتخريب المعدات وأعمال الآخرين (Alberta,2012) . *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. المرجع لهذه المقالة كاملة: الراشد، خولة (2018)، مستوى المواطنة الرقمية لدى طلبة الجامعات الأردنية الحكومية وتصور مستقبلي لتطويرها، رسالة دكتورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.

  • التعليم عن بعد والتنمية المهنية للمعلمين

    الدكتور هاشم محمود الزيود، معهد تدريب المعلمين، وزارة التربية والتعليم، الإمارات العربية المتحدة. يعد قطاع التعليم أكبر القطاعات تأثرا بجائحة كوفيد19، حيث شهد أكبر عملية انقطاع في التاريخ على مستوى العالم، وبلغ عدد الطلبة المتضررين منه حسب إحصائيات الأمم المتحدة (أغسطس 2020)[1] نحو 6,1 بليون طالب، وتأثر أكثر من 190 بلدا من جميع قارات العالم، والأكثر تأثرا كانت البلدان المنخفضة الدخل، والتي هي أصلاً يعاني التعليم فيها من تحديات متنوعة مثل، عدم التحاق الأطفال بالتعليم، والتسرب، وضعف التحصيل والقراءة، لمن هو على مقاعد الدرس، وضعف التمويل...الخ. وجاءت جائحة كورونا وجعلت العديد من الدول تقف على مفترق طرق بشأن عملية التعليم، حيث بلغ عدد الدول التي توقف التعليم فيها بشكل كامل 15 دولة، والإيقاف الجزئي 14 دولة، بينما تسير الدراسة بشكل طبيعي في 166 دولة حول العالم[2]، وكان نمط التعليم عن بعد هو السمة الغالبة للدول التي اختارت استمرار التعليم فيها، بنوعية المتزامن وغير المتزامن في بداية الجائحة، ثم ظهر التعلم الهجين أو المختلط والذي يعني تخصيص جزء من وقت التعلم مباشر وجها لوجه في الغرفة الصفية، والجزء المتبقي مخصص للتعلم الإلكتروني عن بعد خارج قاعات الدرس. ولعبت العديد من الأسباب دورا أساسيا في اختيارات كل دولة، أبرزها (البنية التحتية والمتمثلة بجودة شبكة الأنترنت، والبث المرئي والمسموع، وشبكة الهاتف والاتصالات، ومستوى الوعي لدى فئات المجتمع المدرسي، والمناهج الملائمة، والكوادر التعليمية المدربة، والدعم الفني المؤهل، وتمكين الطلبة وأولياء الأمور..) إلا أن الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة كانت الحاسمة في ذلك، فوجود بنية تحتية مجهزة بشكل جيد، قد تكون غير مفيدة إذا لم يتم إعداد المعلمين بشكل مناسب، حيث يعتبر عضو هيئة التدريس واحد من أهم ركائز العملية التعليمية في التعليم والمؤثر فيها سواء في التعليم التقليدي أو التعليم عن بعد، فعليه تقع مسؤولية، إعداد المحتوى الدراسي، وتقديمه، وتقيمه ومتابعة تحقيق أهدافه، الأمر الذي يجعل العملية التعليمية بحاجة إلى أعضاء هيئة تدريس متميزي الإعداد والأداء، وذوي كفاءات ومهارات تعليمية عالية يمكنهم ترجمتها إلى أساليب تعليمية فعالة، وهو ما أكّدت عليه تقرير اللجنة الدولية للتربية للقرن الحادي والعشرين الصادر عن منظمة اليونسكو في القرن الحادي والعشرين على أن " تحسين جودة أعضاء هيئة التدريس يتوقف على تحسين انتقائهم وجودة تدريبهم فهم بحاجة إلى معرفـة مهـارات مناسبة وامتلاك خصائص شخـصية ورؤى مهنيـة.[3] ومن هنا أود الإشارة إلى أن الدول التي استعدت مبكراً، وكانت تهتم بالتنمية المهنية للمعلمين بمختلف جوانبها واعتبارها ركيزة أساسية من ركائز خطط واستراتيجيات التعليم فيها، كانت الأكثر نجاحا وتميزا في التعامل مع جائحة كورونا، وعدم توقف التعليم فيها بشكل كامل، وذلك من خلال سرعة التأقلم مع البدائل المطروحة وتطبيق التعليم عن بعد. ويمكن تصنيف الكفايات التي يجب أن يمتلكها معلم التعليم عن بعد، إلى ثلاث مجالات: كفايات تقنية: وتتمثل في قدرة المعلم على التعامل مع التطبيقيات التكنولوجية الحديثة والمتطورة، من حيث الاستخدام والتوظيف، فالكثير من البرامج التي طرحتها الشركات المتخصصة تحتاج تدريب جيد على استخدامها وتوظيفها وأشهرها (Microsoft Teams, Zoom, Join.me,) بالإضافة إلى المنصات التعليمية الداعمة، والبرامج المعززة والتفاعلية، ويحتاج المعلم أن يكون لديه القدرة على دعم الطلبة خلال سير عملية التعلم عن بعد وتقديم الحلول لكل التحديات التي تواجههم، وإعداد المحتوى التعليمي الإلكتروني، من حيث التخطيط والتصميم. كفايات تقييم وقياس أثر التعليم: لا بد من امتلاك المعلمين لكفايات بناء الاختبارات الإلكترونية بمختلف أنواعها، ولديهم القدرة على قياس أثر التعلم، سواء قصير المدى خلال سير الحصص، أو طويل المدى نهاية كل فصل دراسي، أو نهاية العام. كفايات إدارة الحصة الإلكترونية: كما يحتاج المعلم لكفايات إدارة الغرفة الصفية المباشرة يحتاج إلى كفايات لإدارة الحصة الإلكترونية في التعليم بعد، من حيث استراتيجيات التدريس، وإدارة سلوك الطلبة. وختاما، لا بد من القول إن جائحة كورونا وجهة أنظار واضعي السياسة التربوية، إلى أهمية التنمية المهنية الدائمة للمعلمين، والبدء المبكر لإعداد معلم المستقبل. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. [1] موجز سياساتي: التعليم أثناء جائحة كوفيد - 19 وما بعدها أغسطس 2020 [2] https://en.unesco.org/news، كما ورد على لسان وزير التعليم المصري طارق شوقي المشارك في لقاء اليونسكو لبحث تداعيات كورونا على التعليم 11مارس 2020 ) [3]جاك، ديلور (1998)، التعلم ذلك الكنز المكنون: تقرير اللجنة الدولية للتربية للقرن الحادي والعشرين، ترجمة: جابر عبد الحميد (القاهرة: دار النهضة العربية).

  • التربية الأسرية بين تاء التربية و تاء التعلم عن بعد

    الدكتورة نسرين عبدالحفيظ العفيشات، الأردن. يبدو أن حرف التاء له سر عجيب جامع بين إحدى أهم العمليات الإنسانية ، فبين تاء التربية الأسرية التي تعرف بأنها تربية الفرد الطبيعية في الأسرة و أحد أهم وسائط التنشئة الاجتماعية المتكاملة ، فهي الوسيط الأول الذي ينمو فيه الطفل ، لينتقل بعده إلى عالم تاء التعلم و التعليم، ومما لا شك فيه أن كلا العمليتين مكملان لبعضهما البعض، لكن في ظل ما حدث من ظروف انتقال الطلبة إلى التعلم عن بعد، أطرح تساؤلا: هل أجبر التعلم عن بعد التربية الأسرية أن تنتقل إلى أدوار التعليم ، وهل جميع الأسر قادرة على أن تتقبل بسهولة هذه الأدوار التي أنيطت بها عنوة؟. بالنظر إلى أطراف عملية التعليم نجد أن الأسرة قد أصبحت طرفا رئيسا، بعدما كانت العنصر الذي يعد إعدادًا أوليًا لدخول الطالب المدرسة، و من ثم تقتصر مهمتها على المتابعة و المراقبة ، لكن ما فرضته أزمة الكورونا على الأسرة جعلت لها أدوارا هامة ، وجب عليها أن تتهيأ بل و تستنفر استعدادًا لهذه العملية، و إذا ما أوجزت المتطلبات التي بات على الأسر توفيرها، فإنها تنقسم إلى : متطلبات تكنولوجية، متطلبات تعليمية، متطلبات نفسية. ولا يقتصر الأمر هنا على توفير الأدوات التكنولوجية بل أصبح لزاما على الوالدين أن يطلعا و يتدربا على إدارة هذه الأدوات، و أن تنتقل رقابتهما إلى داخل هذه الأجهزة ، ليعرفا مدى التزام الأبناء بمتابعة المنصات التعليمية. و إلى جانب هذا أصبحت الأم مطالبة بشكل أكبر بأن تبقى على اطلاع دائم على الحصص الصفية، و أن توفر الأجواء المناسبة و المساحات الهادئة التي تلائم الحصص الصفية التفاعلية خاصة، ليبدو ذلك المنزل الصغير غرف صفية ، و ساحات رياضية، و أن تتحول حتى أدوات المطبخ إلى أدوات تعلم، و ربما يقودني هذا إلى طرح تساؤلات عدة: هل اخترق التعلم عن بعد حرمات البيوت؟ و هل ازداد اطلاع المعلم على أسرار تلك البيوت التي يدخلها إلكترونيا؟ وهل لدى المعلم القدرة الكافية للتعامل مع ما يواجهه من ملاحظات مباشرة من أولياء الأمور، أو ما يحدث أمام الكاميرات من مشاكل أسرية، فالمعلم هنا أصبح من مهماته أيضا ليس إدارة حصته و طلبته، و إنما إدارة أولياء الأمور. و لعل عملية الضبط من أهم الأمور التي أصبحت الأسر مطالبة بها في ظل التعلم عن بعد، فعلى الوالدين مراقبة و متابعة انتظام أبنائهم في حضور الحصص الصفية، و كذلك ضبط سلوكاتهم ، و تزيد المهمة صعوبة مع الابن الرافض لهذا النوع من التعلم، ومن الواقع الحي هناك الكثير من الطلبة يرفضون حضور الحصص التفاعلية، و لا تجد الأم الحلول اللازمة لهذا العناد، و منهن من يترك الحبل على الغالب بعد محاولة أو محاولتين، و هذا يشير إلى خلل مسبق في عملية التربية الأسرية ، و غالبا هذه الفئة من الأسر ترفض التعلم عن بعد بشكل تام. ولعل هذا يقود إلى ضرورة تأهيل الأسر لكيفية التعامل السليم مع الأبناء في ظل هذا النوع من التعلم، حتى لا يكون الفاقد التعليمي أكثر ضررا ، وهذا ما تتحمله المؤسسات التربوية و التعليمية ، فعدم قدرة الأسرة على التعامل مع الجوانب التعليمية و النفسية للأبناء ، شكل خطورة كبيرة على مخرجات هذه العملية و الاستمرار بها. وتتبع الأسرة عادة عدة أساليب أسرية في تربية أبنائها منها التقبل و الرفض ، و التسامح و التقييد، والإهمال والحماية الزائدة، و القسوة والحماية ، وبالقياس إلى أساليب التربية الأسرية هذه نجد أن بعضا منها قد وجد أساليب قد أعانته في عملية الضبط الأسري لابنائه، مما نتج عنها طالبًا ملتزمًا ذو دافعية عالية، و نتائج مميزة ، و أخرى لم تستطع السيطرة وفقدت بوصلة التوجيه، و بات التعلم عن بعد عبئا على الأم فقط ، والطالب غائبا عن المشهد. ولا أتحدث هنا عن الأم العاملة، بل هذا يشمل غير العاملة أيضا، مع ازدياد الصعوبات في حال كانت الأم عاملة أيضا. وقد بينت الدراسات أن نسبة الارتباط بين النظم الأسرية ومستوى التحصيل الطلابي في المدارس الأمريكية بلغت 43%، و بلغت نسبة الارتباط بين الخلفية الأسرية و التحصيل الطلابي في السعودية 50%، والعديد من الدراسات التي أجريت في كل من بريطانيا و كندا و أستراليا أن حوالي 50% من الفروق في مستوى التحصيل الطلابي يعود إلى العوامل المرتبطة بالخلفية الأسرية (2) ، ولهذا تتضح أهمية النظم الأسرية في تعزيز استمرارية التأثير على مستوى تحصيل الطالب بالرغم من الاختلاف بحسب المجتمع و الثقافة (1). الحديث حول حالة الارتباط الأبدي بين التائين يطول، و لعل الإجابات عن التساؤلات التي طرحت في هذا المقال ، يجب أن تكون محل دراسة و بحث، لتقود إلى تجويد عملية التعلم عن بعد و الحصول على مخرجات ذات جودة، و التقليل من الفاقد التعليمي و التربوي أيضًا، مما ينعكس إيجابا على الأسرة، و أركان العملية التعليمية و التربوية قاطبة. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة.

  • الثقافة التعليمية في الفكرالعربي... إنتقال ما بين الوجاهية إلى الإلكترونية خلال جائحة كورونا

    الدكتورة سعاد فايز ملكاوي، أصول التربية لقد أصبح التعليم آداة للتغييروالتطور، بعد التقدم الذي أفرزته العلوم التجريبية وظهور الصناعة الفكرية، والمعرفية، والتطور التكنولوجي، وأسس البحث العلمي. وبما أن بقاء الأمم مرتبطاً بمدى استجابتها للتغيروالتقدم، أصبح لزاماً تغيير المفهوم الثقافي العربي نحو التعليم، والأخذ بما هو جديد وعصري لمواكبة التغيرات المعاصرة، لا سيما بعد التنوع الذي طرأ على طرائق التدريس، واستراتيجيات التعليم، وظهور فلسفات تعليمية تربوية تراعي مواكبة التطورالمعرفي، ولكن ما زال المعلّم بالفكر العربي هو حجر الأساس في المنظومة التعليميّة، كونه المؤثر على طلابه من حيث القدرة على ضبط عملية التعلم ونقل المفاهيم التعليمية وتحقيق النتائج المرجوّة منها. وما لمسناه اليوم وخاصةً خلال جائحة كورونا، وتعذر استمرارية التعلم الوجاهي المباشر أو بما يسمى (التقليدي)، واستبداله بطرق حديثة قائمة على التعلم الإلكتروني، ظهور تحديات عديدة من أهمها عدم توفر بنية تحتية معدة لهذا النمط من التعلم، والمتمثلة بتعذر توافر المناهج الإلكترونية المتخصصة، ومنصات تعليمية تساعد المعلمين في إعطاء المادة التعليمية بكل يسر وسهولة، بحيث تصل إلى كل منزل وأسرة، والنقص كذلك في الأجهزة الإلكترونية الذكية التي لا تتوافر لدى كل أفراد الأسرة من المتعلمين فيها سواء في المدارس، أو الجامعات ، وكذك ما رافق هذه الجائحة من مشكلاتٍ اجتماعية تمثلت بتدني المستوى المادي للأسر، بحيث يصعب تغطية النفقات المادية المرافقة للنمط التعليمي الجديد، هذا مع انقطاع بعض الأسر وخاصة الآباء عن إعالة أبنائهم بسبب فقدانهم لمصدر رزقهم، ناهيك عن الخلافات الأسرية المستمرة والتي تعيق توفر الأمن، والطمأنينة للأسرة العربية، بالإضافة إلى حالات الطلاق التي تشتت الأفراد داخل الأسرة الواحدة، مما أدى الى حدوث أزمات نفسية وعلى رأسها حالات الاكتئآب لمعظم الأسر العربية لا سيما بعد حالات الحظر العديدة التي رافقت جائحة كورونا ، كما وأن ضعف الخبرة لأولياء الأمور في مجال الإشراف والتدريس ومتابعة أبنائهم شكل مأزقاً جديداً معيقاً لاستمرارية العملية التعليمية بدون صعوبات، فلجا العديد من الطلبة لحالات الغش وعدم الاهتمام بفهم المادة التعليمية والاعتماد على أخذ المعلومة جاهزة دون أدنى تعب في البحث عنها، أو الوصول اليها بإحدى طرق التفكيرالصحيحة، عدا الصعوبات التي تواجه المعلم في أساليب التعليم عن بعد من رفع صور، وحل الواجبات، وإرسال المهام التعليمية، وغيرها. أن ثقافة التعليم العربية احتوت مفاهيماً، وأبعاداً ارتبطت لسنوات طويلة بالتعلم الوجاهي المباشر(التعلم التقليدي) حيث أن المعلم حاضراً، والطلاب، وأدوات التعليم من السبورة والكتب المنهجية، وبعض المصادر التعليمية، ولا زالت العديد من الأوساط العربية تفضل هذا النوع من التعليم بحكم التعود، والقناعة، والثقة بهذا النموذج، وليس بالأمر السهل أن تتغير تلك الثقافة المفاهيمية التعليمية بسرعة وبين ليلةٍ وضحاها، وبالرغم من التطور في التعليم وطرائقه في السنوات العشرين الأخيرة والتي ركزت على إدخال التكنولوجيا في التعليم، وتوفر المناهج المتخصصة بأنشطتها القائمة على التفكير المنطقي، والمبادرات التي تربط المادة النظرية بالجانب التطبيقي، إلا أن من الملاحظ فقدان البنية التحتية المعدة لهذا الغرض من التعلم، وظلت مقتصرة نوعاً ما على القطاع التعليمي الخاص، الذي واكب تلك التغيرات إلى حدٍ ما، مع ثبات القاعدة العامة المفضلة للتعلم الوجاهي الصفي. ومع ذلك كله فإنه من اللازم التفكيراليوم باستدامة التعليم، وتطوره من خلال طرح التصورات المستقبلية المتضمنة واقع التعليم، وأهمية تطويره، والجوانب التي يتطلبها ليكون قادراً على استشراف المستقبل بطرق علمية، متقدمة في قطاع التعليم، بحيث نتمكن من رسم تصورات مستقبلية عن واقع التعليم القادم وخاصةً إذاما تعرض العالم لسلسة من الجوائح المستقبلية. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة.

  • المدرسة الذكية: رؤية جديدة لنظم التعليم في المستقبل

    الدكتور محمد طه الزيود، وزارة الشباب، الأردن شهد العالم في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين مجموعة من التطورات والتغيرات المتسارعة كالعولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتطور العلمي والتكنولوجي المتسارع والتغيرات في الاقتصاد، وقد فرضت هذه التطورات والتغيرات على صناع القرار والتربويين التفكير جدياً بإصلاح النظم التربوية من أجل إعداد الأفراد على نحو أكثر فاعلية في التعامل مع التحديات في العصر الجديد، في ظل بيئة متغيرة بسرعة، تتسم أيضاً بعدم اليقين والغموض وأصبحت هناك حاجة ملحة لإطارٍ شاملٍ لفهم تأثير التطورات السريعة، وتداعيات أثارها على الابتكار في التعليم Lubis, Ariffin, Ibrahim, Muhammad, 2009)) ، وقد أدت هذه المراجعة إلى بروز أنماط جديدة من المدارس، كالمدرسة المجتمعية، والمدرسة الذكية، والمدرسة المنتجة، والمدرسة الإبداعية. و تعتبر المدرسة الذكية شكلاً من أشكال التجديد التربوي المتوافق مع التغيرات التي فرضتها التطورات المعاصرة في القرن الحادي والعشرين، ونمطاً من أنماط مدرسة المستقبل التي تسعى لإحداث ثورة في نظام التعليم من خلال إتباع نهج شامل للتطور الذي يركز على الفرد، مما يجعل التعليم القائم على القيمة في متناول الجميع لإستغلال التكنولوجيا لتحسين النظام وتوفير التعليم الذي يسعى إلى إعداد وتطوير الطلاب بدنياً وعقلياً وعاطفياً وروحياً، وتوفير الفرص لتحسين نقاط القوة والقدرات الفردية وديمقراطية التعليم (Omidani, Masrom, & Selmat, 2012). والمدرسة الذكية مؤسسة تعليمية يقوم نظامها على تصميم جديد لممارسات التعليم والتعلم وإدارة المدرسة من أجل إعداد الأطفال لعصر المعلومات (Government of Malaysia, 1997)، وفي العمل على نحو فعال فإن المدرسة الذكية تتطلب الموظفين المهرة بشكل مناسب، والعمليات الداعمة، وتصميم جو التعلم الجديد وتشجع عملية التفكير النشطة (Lubis et al., 2009). ويرى بيركينز ( Perkins, 2016) أن المدرسة الذكية هي بنية للمدارس مع رؤية لمجتمع تعلم ينغمس في التفكير والفهم العميق، مما يولد الاحترام لجميع أعضاءه، وينتج طلاباً مستعدين لمواجهة العالم كأعضاء مسؤولين ومفكرين في مجتمع متنوع، ويستند هذا الأنموذج على أن التعلم هو نتيجة التفكير، ويجب أن يشمل الفهم العميق، والذي يتضمن الاستخدام المرن والفعال للمعرفة. . ويرتبط بالمدرسة الذكية مفهوم التعلم الذكي والذي يجمع ما بين مزايا التعلم الاجتماعي والتعلم واسع الانتشار، وهو مفهوم للتعلم المتمركز حول المتعلم، والنموذج التعليمي الموجه نحو الخدمات بدلاً من التركيز على استخدام الأجهزة Kim, Cho, & Lee, 2013) )، ويرى ميدلتون (Middelton, 2015) أن الجوانب المتعلقة بالتعلم الذكي هي المتمحورة حول المتعلم، وكيفية الاستفادة من استخدام التقنيات الذكية بما يجعل المتعلمين ينخرطون في تعلمهم، ويزيدون من استقلاليتهم بطرق أكثر انفتاحاً واتصالاً وتكثيفاً من خلال سياقات أكثر ثراءً. و يتميز التعلم الذكي بمجموعة من الخصائص التي تميزه عن أنواع التعلم الأخرى، وأهمها: ذاتية التوجيه، ومتحمسة، ومتكيفة، وثرية بالموارد، والتكنولوجيا المدمجة، كما يتضمن التعلم الرسمي وغير الرسمي، والتعلم الاجتماعي والتعاوني، والتعلم الفردي (الشخصي) والتعلم بالموقف، والتطبيقات والتركيز على المحتوى (Zhu, Yu, & Riezbos, 2016) ، كما تتطلب المدرسة الذكية والتعلم الذكي بيئة تعلم ذكية تدعم التخطيط والبدائل المبتكرة للمتعلمين والمعلمين، ويجب أن تكون فعالة، وتتميز بالكفاءة، والمشاركة، والمرونة والتكيف، والانعكاسية، وهذه المعايير ربما تدعم التعاون والمتعلمين المكافحين والتحفيزSpector, 2016))، وستوفر هذه البيئة تعليماً ذكياً لتعزيز أثر التعلم عن طريق تغيير طرائق التدريس والتعلم العامودية والأحادية التقليدية إلى طرق أفقية وثنائية وتشاركية وتفاعلية وذكية، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تمكن من التعاون والتشاركية والانفتاح ومشاركة الوظائف بين المتعلمين أنفسهم وبينهم وبين الأساتذة، وبينهم وبين المحتوى المتعلم ( Jo & Lim, 2015). وشاع عالميا العديد من التجارب التي نجحت في تبني نماذج للمدارس الذكية ابرزها التجربة الماليزية والتي استندت إلى أن فكرة المدرسة الذكية التي تسعى في الواقع لإحداث ثورة في نظام التعليم من خلال إتباع نهج شامل للتطور الذي يركز على الفرد، مما يجعل التعليم القائم على القيمة في متناول أي شخص، في أي وقت وفي أي مكان، وهي رؤية تجمع بين العناصر الحيوية اللازمة لاستغلال التكنولوجيا لتحسين النظام وتوفير التعليم للأطفال بهدف إنتاج القوى العاملة التي تتميز بالتفكير والمثقفة تقنيا، وتطويرها وإعدادها لعصر المعلومات، وإعداد وتطوير الطلاب بدنيا وعقلياً، وعاطفياً، وروحياً، وتوفير فرص لتحسين نقاط القوة والقدرات الفردية وديمقراطية التعليم (Government of Malaysia, 1997). كذلك طبقت تجربة المدارس الذكية في كل من سنغافورة وكوريا الجنوبية وفنلندا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية واستراليا، حيث أكد برنامج المدرسة الذكية في ولاية نيويورك على دور التكنولوجيا المدمجة في الصفوف الدراسية، والتركيز على تعزيز كفاءة وإنجازات الطلبة وإعدادهم للمشاركة في اقتصاديات القرن الحادي والعشرين (New York Smart Schools Commission Report, 2014). و تتميز المدرسة الذكية بأنها تنطلق من مبدأ أن تحقيق كفايات ومهارات القرن الحادي والعشرين لدى الطلبة يستلزم إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداةٍ للتعلم والتعليم، وأن مجرد الاستثمار في الموارد التقنية والبنية التحتية لا تخلق ثقافات المدرسة الجديدة والتجارب التعليمية التي تعزز في الواقع مهارات القرن الحادي والعشرين، ولا بد من اجل إيجاد طرق أكثر فعالية لتنفيذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعلم والتعليم، بحيث لا تكون مجرد عنصر إضافي في التعلم والتعليم، بل تكون متكاملة مع إيقاع المدارس اليومي وجزءً من ثقافة المدرسة (Nemi, 2014). *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. المراجع: Government of Malaysia, (1997), The Malaysian Smart School: An MSC Flagship Application: Smart school project team, Retrieved on 21/3/2017 from: http://www.mscmalaysia.my/sites/default/files/pdf/publications_references/Smart_School_Blueprint.pdf Jo, J. & Lim, H., (2015), A Study on Effectiveness of Smart Classrooms through Interaction Analysis. KAIS International Conference on Creative IT and Applications, Advanced Science Letters, 21(3), American Scientific Publishers, 557-561. Kim, T., Cho, J, & Lee, B,. (2012), Evolution to Smart Learning in Public Education: A Case Study of Korean Public Education. Estonia: 1st Open and social technologies for networked learning (OST): IFIP WG 3.4 International Conference, 170-178. Lubis, M., Ariffin, S., Ibrahim, M., Muhammad, T., (2009), Teaching and Learning Process with Integration of ICT: A Study on Smart Schools of Malaysia, Wseas Transactions on Information Science and Applications, 6(8), 1380-1390. Middleton, A., (2015), Smart learning: teaching and learning with smartphones tablets in post-compulsory education, Sheffield: MELSIG & Sheffield Hallam University. Niemi, H., (2014), The Finnish educational ecosystem, in: Niemi H., Multisilta, J., Lipponen, L., & Vivitsou, M., (eds.), Finnish Innovations and Technology in Schools, Rotterdam:Sense Publishers. New York Smart Schools Commission Report (2014). Retrieved on 21/3/2017: http://www.governor.ny.gov/sites/governor.ny.gov/files/archive/governor_files/SmartSchoolsReport.pdf. Omidinia, S., Masrom, M., & Selamat, B., (2012), Determinants of smart school system success (case study of Malaysia), International Journal of Academic Research, 4(1), 29-36 Perkins, D., (2016), Smart schools: key principles for schools to develop, Harvard Graduate School of Education, Retrieved on 21/3/2017 from: www.pz.harvard.edu/projects/smart-schools. Spector, J., (2014), Conceptualizing the emerging field of smart learning environments, Smart Learning Environments, 1(2), 1-10. Zhu. Z., Yu M., & Riezebos, P., (2016), A research framework of smart education, Smart Learning Environments, 3(4), pp. 1-17.

  • العمل التطوعي ضرورة تربوية للطلبة

    الدكتورة حنان نمر الشريدة، الأردن منذ خلق الإنسان بدأ في تشكيل الحضارات، حيث دلت الصور والرسوم الموجودة على المعابد الفرعونية على أن العمل التطوعي يتمثل بمساعدة الآخرين ، وكذلك كان اهتمام الإغريق الأغنياء بالفقراء وأبناء السبيل بتوفير الطعام وتقديم المساعدة ، كما أن الرومان كان العمل التطوعي يتمثل بطبقة النبلاء حيث يوزعون المساعدات على الفقراء وأكدت الفلسفات الإنسانية كالكنفوشية والهندوسية على أهمية التطوع في الحياة الاجتماعية وممارسته كجزء من العبادة التي دعت إليها، وفي الأديان السماوية كذلك ففي اليهودية هناك نصوص تحدد نماذج العمل التطوعي ومنها الوصايا العشرانية نزلت على موسى عليه السلام ومنها النظر للمساكين وتقديم العون لهم ،أما النصرانية فقد جاءت مكملة لليهودية واستمراراً لها في الإحسان ورعاية المحتاج فهناك نصوص تدل على الرعاية الاجتماعية والاهتمام بالأيتام والأرامل ، وفي العصر الجاهلي فقد اتصف العرب بصفات حميدة منها إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج ونصرة المظلوم وقد جاء الإسلام ليحارب الفقر ويقرر التكافل الاجتماعي ويدعو له ويقرر حق الفرد المحتاج على المجتمع المسلم(عبداللطيف، 2011)، فالفرد الذي يعجز ولا يستطيع إعانة نفسه أو إعانة ذويه يصبح المجتمع مسؤولاً عنه ،وكان لعلماء الدين الإسلامي والموسورين دور كبير في الجهود التطوعية التي تعتمد على الفرد والمنظمات الخيرية من خلال شحذ همم أفراد المجتمع للتطوع في أعمال الخير والبر فتأسست المساجد والمدارس والمستشفيات ودور الأيتام وخدمة الحجاج ومساعدتهم. و حدث تطور كبير في تاريخ ومسيرة العمل التطوعي بظهور المنظمات والجمعيات الخيرية التي أسست بدافع إنساني لمساعدة الجمعيات المحتاجة وإلى تخفيف معاناة المسجونين وأخرى لمساعدة ضحايا الحرائق. وقد بلغ عدد المنظمات الخيرية في أوروبا والاتحاد الأوروبي بنحو مليون منظمة تهدف إلى تقديم المساعدات للفقراء والمعاقين والأطفال ورعايتهم وتأهيلهم وحماية البيئة والأسرة والصحة العامة(جاونج، جو، 2015). و تكمن أهمية التطوع للفرد من خلال منح الأفراد فرصة التعرف على مشكلات واحتياجات المجتمع، وتنمية ثقافة التفاهم والسلام وقبول الآخر، واستثمار أوقات الفراغ وإتاحة الفرصة للفرد في إزهار إبداعاته وابتكاراته، واكتساب مهارات وخبرات حياتية تسهم في تشكيل شخصية، واكتساب قدرات ومهارات فنية تزيد من فرصته للحصول على عمل وترفيه مستواه المهني (الشناوي، 2010، ص 20). كما تكمن هذه الأهمية في التعرف على الفجوات الموجودة في نظام الخدمات المقدمة في كل مجتمع ومواجهة المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها أفراد المجتمع من خلال استفادتهم من الجهود المقدمة لهم، وتوفير خدمات يصعب على المؤسسات الحكومية تقديمها، وتحويل الطاقات العاجزة أو الحاملة إلى طاقات كاملة منتجة، وأبراز الجانب الإنساني للعمل التطوعي والتأكيد على أهمية التفاعل الاجتماعي بين أفراد المجتمع (سند، 2009، ص 50). وفي حياة كل من الفرد والمجتمع، تظهر أهمية العمل التطوعي، من خلال تحسين مبدأ التكافل والاجتماعي، واستثمار أوقات الفراغ بشكل أفضل وتوظيف الطاقات في مختلف المجالات الإنسانية والاجتماعية للارتقاء بالمجتمع دون انتظار مردود مادي ما يضمن تحقيق الأفضل لكل من الفرد والمجتمع.حيث نسمح ونرى شباباً تم تضيعهم وجرهم لمواقع قتالية خارجية باسم الجهاد، وعلى الجامعة أن تتبنى برنامجاً وقائياً تحتوي فيه هؤلاء الشباب سواء عبر برنامج تطوعي أو بحثي، أو عبر وجود مكاتب استشارية للأسرة تقي من الطلاب، العنف، وربما التطرف الفكريمن خلال المساهمة بالعمل التطوعي وشغل أوقات فراغهم. تشير بعض لدراسات إلى أن عدد الملتحقين في برامج العمل التطوعي من طلاب الجامعات والكليات الأمريكية 3.3 مليون طالب، وفي استراليا كانت 28بالمائة وفي أمريكا51بالمائةوفي السويد 19بالمائة وفي روسيا 23بالمائة وفي المجر64.4 بالمائة وفي بلغاريا 42.2 بالمائة (Fagardo,2014). أما في الوطن العربي فقد أظهرت أن الشباب من سن 15- 30 سنة هم أقل فئة تهتم بالتطوع والعمل التطوعي (فرعون 2010)، وضعف قدرات المنظمات في مجال تهيئة الشباب نحو العمل التطوعي ومحدودية الدور الذي تؤديه. حيث يتمثل دور الجامعة بعداً يربط الجامعة بالمجتمع واحتياجاته وتفاعلها معه وربط مخرجات الجامعة بالمجتمع حيث نجد في كثير من الجامعات المختلفة على مستوى العالم تهتم بذلك ففي الولايات المتحدة الأمريكية تطبق العديد من الجامعات الأمريكية نظام التعليم التطوعي حيث تجد هذه البرامج تفاعلاً وتقديراً من المجتمعات المحلية (الزبيدي، 2006) وتقوم الوحدات المعنية بالتطوع بالجامعة بدراسة احتياجات العمل التطوعي في المجتمع ولتنسيق مع المؤسسات المجتمعية الراغبة في استقبال الطلاب وفي تطوير البرامج المناسبة والتنسيق مع الوحدات والأقسام الأكاديمية لتشجيع برامج العمل التطوعي . ويتضمن البرنامج الأكاديمي للطالب الجامعي ساعات محددة تحسب على أنها أعمال تطوعية للمجتمع وتدخل ضمن الساعات المعتمدة للبرنامج الأكاديمي والمحصلة النهائية لتطبيق هذه البرامج تعود إلى ما يلي: - زيادة التفاعل والتعاون بين الجامعة والمجتمع . - ربط البرامج الأكاديمية الجامعية باحتياجات المجتمع . - زيادة خبرة الطالب العلمية والعملية وتنميتها في مجال المهارات الاجتماعية والتطوعية . وتضع بعض الجامعات والكليات الأمريكية العمل التطوعي والخدمة العامة ضمن المواد الإجبارية والمتطلبات الأساسية التي يجب على الطالب اجتيازها. ويعتبر برنامج سان فرانسيسكو للتطوع الذي تأسس في عام 1995 مثالاً للبرامج الرائدة في مجال التطوع وغرس قيم العمل التطوعي حيث شارك الطلاب من 100 مدرسة تابعة للبرنامج في مجالات التطوع مع آخر من 3000 مؤسسة (Terano, 2008). إن المستوى المطلوب من المشاركة في العمل التطوعي مرتبط بالتنشئة الاجتماعية والتربية الأسرية والمدرسة والجامعة والتي تهتم جميعها بالجانب التعليمي وعليها الاهتمام بزرع روح التطوع ومضاعفة الجهود لإضافة فيمة التطوع للقيم التي يتحلى بها شخصيات الأجيال القادمة بحيث يكون جزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية . *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة. المرجع لهذه المقالة كاملة: الشريدة، حنان (2017)، مستوى استعداد طلبة الجامعات الأردنية الحكومية للمشاركة في العمل التطوعي وعلاقته بأنماط تنشئتهم الاجتماعية، رسالة دكتورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.

bottom of page