top of page

الأسرة وارتكاب جريمة الغش في الامتحانات المدرسية!

الدكتورة رويده زهير العابد، أصول التربية، الأردن

أفرزت أزمة كوفيد 19 تغيرات عميقة في مختلف قطاعات ومجالات الحياة وعلى رأسها التربية والتعليم، الذي أخذ بابتكار آليات جديدة للتعامل مع الأزمة وليستمر في بناء الإنسان وتوفير التعليم النوعي اللازم له. ذلك أن لا نهضة دون استمرار مركب التربية والتعليم وبناء الإنسان باعتبار ذلك هو السبيل الأوحد للقضاء على الأزمات، وبأن هذه الأزمة وغيرها لن يتم تجاوزها إلا من خلال مؤسسات العلم والمعرفة.


لقد ابتكرت مؤسسات التربية والتعليم وبتعاضد مع مؤسسات التقنية والتكنولوجيا أدوات متقدمة ضمنت استمرار التعليم النوعي للأجيال، رغم قسوة الوباء وتحديه للدول والمجتمعات، حيث برز التعلم الإلكتروني عن بعد ليكون الملاذ الآمن والسبيل في مواجهة الأزمة العالمية. لقد نجح التعلم الإلكتروني عن بعد وضمن تلقي ملايين الطلبة تعليمهم وأضاف مسؤوليات على الطلبة وأسرهم لمتابعة التعليم ضمن قواعد النزاهة والمصداقية، إلا أن هذه القواعد وجدت ضعف في احترامها والتقيد بها من قبل بعض الطلبة وأسرهم من خلال تفشي ظاهرة الغش وبدعم من أسرهم في سبيل حصول الأبناء على الدرجات والتفوق الوهمي الذي لا يعبر عن أبسط قواعد الجدارة والاستحقاق.


لقد برزت ظاهرة الغش في الامتحانات كمشكلة بين الطلبة في كافة المراحل والمستويات لذلك لا بد من التعامل معها بكل حكمة من قبل صناع القرار في المؤسسات التربوية لتجنب آثارها المدمرة على الطلبة والمجتمع وأنظمة التعليم. ذلك أن الغش في الامتحانات يمثل جريمة وسلوك انحرافي يخل بالعملية التعليمية ويعد سلوكا غير مقبول دينيا ولا تبيحه الأعراف والتقاليد والقيم الأصيلة. إن الغش سلوك لا أخلاقي، وغير تربوي، وينم عن شخصية انتهازية أو غير ناضجة تتصف بالخوف، وبالقلق، وبالعجز، وبالسلبية، والتواكل، وضعف الإرادة، وضعف الثقة بالنفس، وهذا السلوك على اختلاف أشكاله ومستوياته محرم دينياً، وأخلاقياً، واجتماعياً، ومخالفة لتعاليم الدين، ولنداء الوجدان أو الضمير، ولقيم الإنسان الأصيلة (الزراد، 2002).


وتتجلى خطورة الغش من الناحية التربوية والتعليمية بالاستمرار في الضعف الدراسي من عام إلى آخر، وزيادة التخلف الدراسي، وإعاقة التعلم والتعليم وحدوث صعوبات في مجال التعلم. كما أن التلميذ الذي يتعود الغش في أداءه المدرسي، يمكنه أن يغش في حياته الاجتماعية سواء داخل المدرسة أو خارجها، مما يترتب عليه العديد من المشكلات المدرسية والدراسية، وعدم القدرة على التوافق المدرسي. وتفشي ظاهرة الغش في الاختبارات المدرسية من شأنه إن يعطينا صورة غير موضوعية عن نتائج هذه الاختبارات، وكذلك صورة مزيفة عن نتائج التقويم التربوي، حيث إن التقويم التربوي يتضمن حكماً على عملية التربية والتعليم، ومدى تحقيق الأهداف التربوية، فعملية الغش في الاختبارات من شأنها أن تعطينا صورة مزيفة أو غير حقيقية عن مدى تحقيق الأهداف التربوية التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها، ولهذا فإن عملية الغش تضعف من فاعلية المدخلات التربوية، ومن عملية التعليم أيضا، وتترك أثرا غير حميداً على عملية التربية والتعليم ككل، وتجلب الشك والريبة وعدم الثقة في جدوى المدخلات التربوية، وفي طرائق التعليم، وقدرات التلاميذ.


إن تفشي ظاهرة الغش من شأنه تخريج تلاميذ وطلبة مدارس يعانوا من نقص الكفاءة في مجال الإعداد العلمي والمهاري، مما ينتج جيل ضعيف مهزوز لا يمتلك مقومات وأساسيات العلم والمعرفة والمهارة وفاقد للنزاهة في بنيته الشخصية والقيمية. إن تخريج طلبة اجتازوا اختباراتهم بالغش يعني هدر للطاقات والإمكانيات المادية والبشرية وزيادة الأعباء والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع. إن ظاهرة الغش من شأنها أن تنمي في شخصية التلميذ صفات التواكل، وعدم الاعتماد على النفس، وضعف الثقة في النفس، وضعف العزيمة أو الإرادة، والكسل والخمول، وعدم تحمل المسؤولية وكراهية النظام والاستقامة في الأمور، واللجوء إلى الأساليب المنحرفة في المعاملات هذا بالإضافة إلى الخوف والقلق، والتوتر الدائم، والإحساس ضمنيا بالنقص (الزراد، 2002). وأيا كانت العوامل أو الأسباب المؤدية إلى سلوك الغش، فإن الآثار والعواقب المترتبة غير حميدة لما له من أثر تراكمي على تدني مستوى التحصيل الدراسي للطلبة من عام إلى آخر حتى يصل المستوى إلى أدنى رتبه له، هذا فضلاً عن أن هذا السلوك يعد مخالفة صريحة للديننا الإسلامي الحنيف، وخروجا عن قواعده التي علينا إتباعها لقوله تعالى قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، ولقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا.


ذلك أن الأصل هو الإيمان ودرجة التقوى والورع في قلوب الطلبة والتي كلما زادت كانت أبعد عن ممارسة الغش حتى ولو لم يكن عليه مراقب من البشر وكذلك فإن التقليد للآخرين لدى ضعفاء الأيمان أو قليل التقوى قد يجر إلى ممارسة هذا السلوك غير النزيه وأيضا ضعف التربية الإيمانية من قبل الأسرة له دور كبير في ممارسة هذا السلوك (عامر، 2015). إن الوقاية والمواجهة لهذه الظاهرة يمكن أن تنجح من خلال تنمية الوازع الديني وغرس القيم الاجتماعية السليمة والصحية لدى التلاميذ والأمانة والصدق والنزاهة، وتعميق هذه القيم بالتعاون الوثيق والمستمر بين الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام ودور العبادة. وتبصير الطلبة بالأضرار الناجمة من هذه السلوكيات الخاطئة من أجل الوصول إلى مستوى عالي من الأخلاق. وإقامة الندوات الدينية عبر المنصات الإلكترونية ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لتوضيح مخاطر الغش وتعارضه مع مبادئ الدين ومع القيم والغايات التربوية وتوعية الطلبة بالالتزام بتعاليم الدين الحنيف وأخلاقه وجعلها ممارسة في حياته اليومية، وتذكير الطلبة بقدوتنا وحبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. والتنويع في أساليب الاختبار بحيث يكون جزء منه شفهي يؤديه الطالب عبر فيديو التفاعلي مما يحقق الانضباط الذاتي.


*يجوز الاقتباس وإعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الأصول العلمية المتبعة.



المصادر والمراجع:
الزراد، فيصل.(2002). ظاهرة الغش في الاختبارات الأكاديمية لدى طلبة المدارس والجامعات .الرياض: دار المريخ للنشر والتوزيع.
زكرى، لورنس و حجازي، اعتدال.(2012). الغش في الامتحانات أسبابه، نتائجه، مقترحات للحد منه.المكتب الجامعي الحديث .دار الكتب والوثائق القومية .
عامر، طارق.(2015).قضايا تربوية معاصرة.القاهرة: دار الجوهرة للنشر والتوزيع.





١٢٨ مشاهدة

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page